حسن نافعة
لم أكن قد سمعت من قبل بالشيخ السعودى محمد العريفى حين راحت وسائل الإعلام المصرية تردد اسمه، مصحوبا بنشر مقتطفات واسعة من خطبة ألقاها فى أحد مساجد المملكة العربية السعودية، أشاد فيها بأفضال المصريين على العرب، وطالب أثرياء الخليج بتقديم كل صور الدعم المالى والمعنوى لمصر، إلى أن تتمكن من اجتياز الأزمة الاقتصادية والسياسية التى تمر بها فى الوقت الراهن. وعندما بدأت مواقع التواصل الاجتماعى تتبادل تسجيلا مصورا لخطبة الشيخ، حرصت على مشاهدته، وتأثرت بما جاء فيه، وشعرت بالامتنان تجاه رجل عكس ما قاله مشاعر بدت لى صادقة تجاه وطن أحبه إلى درجة العشق. غير أن الطريقة التى تناولت بها وسائل الإعلام المملوكة للدولة، أو المرتبطة بالنظام الحاكم، وما واكبها من اهتمام الحكومة وبعض الأجهزة الرسمية بالخطبة وصاحبها، بدا لى غير مفهوم وغير مبرر، بل لا أتجاوز إن قلت إنه أثار لدى شعورا بالإهانة.
لم تكتف وسائل الإعلام المملوكة للدولة والمرتبطة بالنظام الحاكم، خاصة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ببث تسجيل كامل لخطبة الشيخ، فى سابقة بدت لى فريدة من نوعها، وإنما قامت أجهزة رسمية بتوجيه دعوة للرجل لزيارة مصر نظمت له خلالها برنامجا حافلا. فقد التقى برئيس الوزراء، وبشيخ الجامع الأزهر، وألقى خطبا فى أربعة مساجد مختلفة: الأولى فى مسجد الجمعية الشرعية بالمنصورة (8/1)، والثانية فى مسجد الشيخ الحصرى بمدينة 6 أكتوبر (9/1)، والثالثة فى الأزهر الشريف (10/1)، والرابعة فى مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة (11/1)، كما تمت استضافته فى لقاءات خاصة حاوره فيها مشاهير الإعلاميين، بل وصل الاهتمام الرسمى به حدا دفع برئيس وزراء مصر إلى عقد مؤتمر صحفى عقب لقائه به وكأنه شخصية رسمية أو رمز من الرموز الثقافية والفكرية فى المنطقة!.
أثارت هذه الضجة الإعلامية الهائلة دهشتى، ولأننى تصورت أن سبب هذه الدهشة ربما يكون قصورا فى معلوماتى عن الرجل، فقد رحت أبحث على شبكة الإنترنت عما عسى أن يكون مجهولا لى عن سيرته المهنية والعملية. فوجدت أن الشيخ العريفى من مواليد 1970، ويعمل أستاذا مساعدا للفقه فى كلية المعلمين بجامعة الملك سعود، وكان قد حصل من هذه الجامعة نفسها على شهادة الماجستير فى موضوع «الرسالة الشافية الكافية فى الانتصار للفرقة الناجية لابن القيم»، وعلى رسالة الدكتوراه فى موضوع «آراء شيخ الإسلام ابن تيمية فى الصوفية»، ويعمل فى الوقت نفسه خطيبا فى جامع البورادى جنوب مدينة الرياض. كما جاء فى سيرته الذاتية المنشورة فى الموسوعة الحرة «ويكيبيديا» ما يلى: «متعاون مع الإرشاد الدينى فى كل من الأمن العام (فى السجون ومدينة التدريب وغيرها)، الدفاع المدنى، وزارة الدفاع، كلية الملك فيصل الجوية، الحرس الوطنى، وزارة التربية والتعليم». ودون التقليل من قدر الرجل واحترامنا له إلا أننى لم أعثر فى هذه السيرة على إنجاز أكاديمى أو دور اجتماعى يبرر هذه الحفاوة.
فى سياق كهذا كان من الطبيعى أن تثور لدى تساؤلات مبررة حول الدوافع الكامنة وراء تلك الضجة الإعلامية المثارة حوله والتى بدا واضحا أنها موجهة للرأى العام المصرى أولاً وقبل كل شىء، ولم يعد لدى شك على الإطلاق فى أن الهدف الأساسى منها هو استغلال الجانب العاطفى لدى المصريين الذين يحسون بقلق شديد على الأوضاع فى بلادهم لمحاولة إقناعهم بأن الأزمة الراهنة التى تمر بها مصر هى أزمة عابرة أو مؤقتة، وأن الأمور فى طريقها للتحسن، وأن وراء النظام الذى يحكم مصر حاليا قوى شعبية كبيرة لن تسمح بسقوطه وستسارع لنجدته. فبفضل هؤلاء الدعاة المحبين لمصر لن تلبث الاستثمارات الشعبية من دول الخليج الغنية، خاصة السعودية، أن تتدفق على مصر رغم مخاوف حكام هذه الدول من الثورة المصرية.
لا أخفى على القراء أن الحملة الإعلامية الضخمة التى صاحبت زيارة الشيخ السعودى بدَّدت شعورى السابق بالامتنان والتأثر من كلمات الشيخ السعودى فى البداية، بل لا أبالغ إن قلت إننى وجدت فيها من مظاهر الابتذال والتزلف ما جعلنى أشعر بالإهانة كمواطن. فمصر كانت ولاتزال وستظل كبيرة، سواء اعترف بفضلها من غرف من نعيمها السابق أم لم يعترف. أما المبالغة إلى حد استجداء من يعترفون بفضل مصر السابق عليهم فقد عكست عندى شعوراً بعقدة نقص وبنزعة تسول، كنت أتصور أن الثورة قضت عليهما تماما.
ارفع رأسك يا أخى المصرى فقد مضى زمن التسول.