احتفاء مبرر أم تسول

احتفاء مبرر أم تسول؟

المغرب اليوم -

احتفاء مبرر أم تسول

حسن نافعة

لم أكن قد سمعت من قبل بالشيخ السعودى محمد العريفى حين راحت وسائل الإعلام المصرية تردد اسمه، مصحوبا بنشر مقتطفات واسعة من خطبة ألقاها فى أحد مساجد المملكة العربية السعودية، أشاد فيها بأفضال المصريين على العرب، وطالب أثرياء الخليج بتقديم كل صور الدعم المالى والمعنوى لمصر، إلى أن تتمكن من اجتياز الأزمة الاقتصادية والسياسية التى تمر بها فى الوقت الراهن. وعندما بدأت مواقع التواصل الاجتماعى تتبادل تسجيلا مصورا لخطبة الشيخ، حرصت على مشاهدته، وتأثرت بما جاء فيه، وشعرت بالامتنان تجاه رجل عكس ما قاله مشاعر بدت لى صادقة تجاه وطن أحبه إلى درجة العشق. غير أن الطريقة التى تناولت بها وسائل الإعلام المملوكة للدولة، أو المرتبطة بالنظام الحاكم، وما واكبها من اهتمام الحكومة وبعض الأجهزة الرسمية بالخطبة وصاحبها، بدا لى غير مفهوم وغير مبرر، بل لا أتجاوز إن قلت إنه أثار لدى شعورا بالإهانة. لم تكتف وسائل الإعلام المملوكة للدولة والمرتبطة بالنظام الحاكم، خاصة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ببث تسجيل كامل لخطبة الشيخ، فى سابقة بدت لى فريدة من نوعها، وإنما قامت أجهزة رسمية بتوجيه دعوة للرجل لزيارة مصر نظمت له خلالها برنامجا حافلا. فقد التقى برئيس الوزراء، وبشيخ الجامع الأزهر، وألقى خطبا فى أربعة مساجد مختلفة: الأولى فى مسجد الجمعية الشرعية بالمنصورة (8/1)، والثانية فى مسجد الشيخ الحصرى بمدينة 6 أكتوبر (9/1)، والثالثة فى الأزهر الشريف (10/1)، والرابعة فى مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة (11/1)، كما تمت استضافته فى لقاءات خاصة حاوره فيها مشاهير الإعلاميين، بل وصل الاهتمام الرسمى به حدا دفع برئيس وزراء مصر إلى عقد مؤتمر صحفى عقب لقائه به وكأنه شخصية رسمية أو رمز من الرموز الثقافية والفكرية فى المنطقة!. أثارت هذه الضجة الإعلامية الهائلة دهشتى، ولأننى تصورت أن سبب هذه الدهشة ربما يكون قصورا فى معلوماتى عن الرجل، فقد رحت أبحث على شبكة الإنترنت عما عسى أن يكون مجهولا لى عن سيرته المهنية والعملية. فوجدت أن الشيخ العريفى من مواليد 1970، ويعمل أستاذا مساعدا للفقه فى كلية المعلمين بجامعة الملك سعود، وكان قد حصل من هذه الجامعة نفسها على شهادة الماجستير فى موضوع «الرسالة الشافية الكافية فى الانتصار للفرقة الناجية لابن القيم»، وعلى رسالة الدكتوراه فى موضوع «آراء شيخ الإسلام ابن تيمية فى الصوفية»، ويعمل فى الوقت نفسه خطيبا فى جامع البورادى جنوب مدينة الرياض. كما جاء فى سيرته الذاتية المنشورة فى الموسوعة الحرة «ويكيبيديا» ما يلى: «متعاون مع الإرشاد الدينى فى كل من الأمن العام (فى السجون ومدينة التدريب وغيرها)، الدفاع المدنى، وزارة الدفاع، كلية الملك فيصل الجوية، الحرس الوطنى، وزارة التربية والتعليم». ودون التقليل من قدر الرجل واحترامنا له إلا أننى لم أعثر فى هذه السيرة على إنجاز أكاديمى أو دور اجتماعى يبرر هذه الحفاوة. فى سياق كهذا كان من الطبيعى أن تثور لدى تساؤلات مبررة حول الدوافع الكامنة وراء تلك الضجة الإعلامية المثارة حوله والتى بدا واضحا أنها موجهة للرأى العام المصرى أولاً وقبل كل شىء، ولم يعد لدى شك على الإطلاق فى أن الهدف الأساسى منها هو استغلال الجانب العاطفى لدى المصريين الذين يحسون بقلق شديد على الأوضاع فى بلادهم لمحاولة إقناعهم بأن الأزمة الراهنة التى تمر بها مصر هى أزمة عابرة أو مؤقتة، وأن الأمور فى طريقها للتحسن، وأن وراء النظام الذى يحكم مصر حاليا قوى شعبية كبيرة لن تسمح بسقوطه وستسارع لنجدته. فبفضل هؤلاء الدعاة المحبين لمصر لن تلبث الاستثمارات الشعبية من دول الخليج الغنية، خاصة السعودية، أن تتدفق على مصر رغم مخاوف حكام هذه الدول من الثورة المصرية. لا أخفى على القراء أن الحملة الإعلامية الضخمة التى صاحبت زيارة الشيخ السعودى بدَّدت شعورى السابق بالامتنان والتأثر من كلمات الشيخ السعودى فى البداية، بل لا أبالغ إن قلت إننى وجدت فيها من مظاهر الابتذال والتزلف ما جعلنى أشعر بالإهانة كمواطن. فمصر كانت ولاتزال وستظل كبيرة، سواء اعترف بفضلها من غرف من نعيمها السابق أم لم يعترف. أما المبالغة إلى حد استجداء من يعترفون بفضل مصر السابق عليهم فقد عكست عندى شعوراً بعقدة نقص وبنزعة تسول، كنت أتصور أن الثورة قضت عليهما تماما. ارفع رأسك يا أخى المصرى فقد مضى زمن التسول.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتفاء مبرر أم تسول احتفاء مبرر أم تسول



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 15:53 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
المغرب اليوم - حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 02:37 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الأسهم الأوروبية تنهي تداولات الأسبوع على انخفاض طفيف

GMT 03:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيف يمكن إحلال 40 مليار دولار واردات سنوية من مجموعة بريكس

GMT 21:29 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار عند أعلى مستوى في شهرين ونصف والين يتراجع

GMT 01:10 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بعض دول الـ«بريكس» لها مؤشرات اقتصادية عالية

GMT 02:26 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري 279% في 10 سنوات

GMT 02:41 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

دبي تطلق مشروع أكبر مكتبة في العالم العربي

GMT 03:05 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

ساندي تُبدي سعادتها بدورها في فيلم "عيش حياتك"

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الحق الخيام يلقي نظرة الوداع على والدته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib