انتخابات كاشفة وليست حاسمة

انتخابات كاشفة وليست حاسمة

المغرب اليوم -

انتخابات كاشفة وليست حاسمة

حسن نافعة

تحدثت فى أكثر من مناسبة عن أهمية الانتخابات البرلمانية المقبلة، التى ستجرى فى ظل استقطاب سياسى حاد سيؤدى استمراره إلى عواقب وخيمة قد تهدد أمن الوطن وسلامته، وفى ظل أزمة اقتصادية طاحنة يصعب الخروج منها دون حد أدنى من الطمأنينة يكفى لتوفير مناخ يساعد على تسيير عجلة الإنتاج. غير أنه يجب أن يكون مفهوماً فى الوقت نفسه أن نتائج هذه الانتخابات ربما تكون كاشفة لحقائق جديدة بدأت تتسلل إلى تربة الحياة السياسية المصرية، لكنها لن تكون حاسمة فيما يتعلق بقدرتها على إخراج مصر من أزمتها الراهنة. وفى تقديرى أن هذه النتائج لن تخرج عن أحد السيناريوهات التالية: السيناريو الأول: حصول جبهة الإنقاذ على أغلبية المقاعد. وفى هذه الحالة سيكون على رئيس الدولة تكليف أحد رموز المعارضة بتشكيل حكومة تستطيع الحصول على ثقة مجلس النواب، مما سيفضى حتماً إلى قيام نظام سياسى برأسين سيتعين عليهما التعايش معا فى ظل دستور لا يوفر أرضية صالحة لمثل هذا التعايش. ولأن مقومات الديمقراطية فى مصر لم تترسخ أو تنضج بما يكفى لتمكين نظام سياسى برأسين من إدارة البلاد بطريقة فعالة، خصوصا فى ظل حالة الاستقطاب القائمة حاليا، فليس من المستبعد أن يؤدى هذا السيناريو إلى تعميق حدة الأزمة الراهنة بدلا من حلها، وبالتالى سيصبح اللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة هو المخرج الديمقراطى الوحيد. لكن هل تحتمل الأوضاع الاقتصادية الراهنة استمرار أزمة سياسية على هذه الدرجة من التعقيد لشهور أخرى قد تطول كثيرا؟ السيناريو الثانى: حصول تحالف الإخوان والسلفيين على أغلبية المقاعد. ولأنه بات من المستبعد احتمال تشكيل جبهة انتخابية موحدة تضم فصائل الإسلام السياسى، بما فى ذلك حزبا الوسط ومصر القوية، فالأرجح أن يصبح رئيس الحكومة فى هذه الحالة إما سلفياً أو إخوانياً، وبالتالى ستتوقف درجة استقرار النظام الحاكم فى مرحلة ما بعد الانتخاب على درجة الانسجام الأيديولوجى بين الجماعة والسلفييين، من ناحية، وعلى نسبة المقاعد التى حصل عليها كل منهما، من ناحية أخرى. وربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر مدعاة للاستقرار من حيث الشكل، أما من حيث المضمون فلاشك أنه سيفتح الباب واسعا أمام تغييرات عميقة تستهدف إعادة صياغة أسس ومقومات الدولة والمجتمع فى مصر بما يتفق مع رؤية إخوانية - سلفية مشتركة ستكون متشددة لا محالة، وهو ما قد يثير مشكلات معقدة فى مجتمع كان قد قطع شوطا كبيرا فى اتجاه الحداثة. السيناريو الثالث: عجز أى من الأحزاب أو التيارات أو التحالفات الانتخابية عن الحصول منفردا على أغلبية المقاعد. وفى هذه الحالة سيتمتع رئيس الدولة بهامش أكبر من حرية الحركة والمناورة يتيح له تشكيل حكومة ائتلافية بالطريقة التى يريدها. غير أن هذه الحكومة ستكون على الأرجح إما حكومة هشة وضعيفة وغير مستقرة، لأنها ستعتمد فى وجودها على تحالفات مؤقتة أو ظرفية، وبالتالى ستكون معرضة للاهتزاز والسقوط عند أول منعطف، أو ستكون حكومة غير مسيسة على شاكلة حكومة هشام قنديل، وبالتالى ستعيدنا من جديد إلى نقطة الصفر، ولكن عبر انتخابات باهظة التكلفة سياسياً واقتصادياً. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن عدم تلبية النظام الحاكم المطالب الخاصة بضمانات النزاهة والشفافية قد يدفع بجبهة الإنقاذ إلى المقاطعة وعدم المشاركة أصلا فى الانتخابات، وبالتالى إلى وقوع أزمة مبكرة، فسوف يتضح لنا أن الانتخابات المقبلة، على أهميتها، لن تكون حاسمة فى التوصل إلى مخرج من الأزمة الراهنة، والأرجح أن تكون كاشفة فقط لحقيقتين على جانب كبير من الأهمية: الحقيقة الأولى: تراجع شعبية فصائل تيار الإسلام السياسى ككل، خاصة جماعة الإخوان والسلفيين، بسبب ما يثيره من مخاوف لدى قطاعات تتزايد بانتظام. الحقيقة الثانية: تمدد شعبية المعارضة، خاصة جبهة الإنقاذ، لكن ليس بالضرورة إلى درجة تمكنها من الحصول منفردة على أغلبية المقاعد فى مجلس النواب المقبل. لكل هذه الأسباب كنت ومازلت أفضل حلولاً أخرى مبتكرة، غير اللجوء إلى انتخابات برلمانية فى الظروف الراهنة، تفضى إلى حكومة وحدة وطنية قادرة على تحقيق الأمن وعلى تجاوز الأزمة الاقتصادية أولاً قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع. فالديمقراطية أكبر وأسمى من أن تختزل فى صناديق اقتراع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات كاشفة وليست حاسمة انتخابات كاشفة وليست حاسمة



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 15:53 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
المغرب اليوم - حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 02:37 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الأسهم الأوروبية تنهي تداولات الأسبوع على انخفاض طفيف

GMT 03:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيف يمكن إحلال 40 مليار دولار واردات سنوية من مجموعة بريكس

GMT 21:29 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار عند أعلى مستوى في شهرين ونصف والين يتراجع

GMT 01:10 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بعض دول الـ«بريكس» لها مؤشرات اقتصادية عالية

GMT 02:26 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري 279% في 10 سنوات

GMT 02:41 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

دبي تطلق مشروع أكبر مكتبة في العالم العربي

GMT 03:05 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

ساندي تُبدي سعادتها بدورها في فيلم "عيش حياتك"

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الحق الخيام يلقي نظرة الوداع على والدته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib