حسن نافعة
مرة أخرى تسكب مصر دموعها حزنا على ضحايا حادث جديد هو السابع من نوعه منذ وصول الرئيس المنتخب إلى السلطة نهاية شهر يونيو الماضى. ومرة أخرى يتكرر نفس المشهد، رغم اختلافات طفيفة تشى بها صور رئيس الدولة وهو يواسى المصابين فى المستشفى وصور رئيس الوزراء وهو يتبرع لهم بدمه. فقد بدأنا نسمع كلاما كثيرا عن لجان تحقيق ستشكل لتحديد ومعاقبة المتسببين فى الحادث، وعن تعويضات ستدفع لأسر الشهداء والضحايا، وعن خطط تعد لإعادة بناء مرفق السكك الحديدية المتهالك. ومن المتوقع أن يستمر التراشق الإعلامى وتبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة عبر أجهزة إعلام بدأت هى نفسها تدخل دائرة الاتهام، لفترة من الوقت، قد تستمر لعدة أيام أو لأسابيع على أكثر تقدير، لكن الضجة الكبيرة المثارة حول حادث أسيوط لن تلبث أن تهدأ رويدا رويدا، مثلما هدأ الضجيج فى كل الحوادث المماثلة من قبل، إلى أن تعود الأمور سيرتها الأولى. ومع ذلك يدرك الجميع أن الهدوء لن يدوم طويلا لأن الكل سيكون فى انتظار حادث تال، يعلم الله وحده متى وأين سيقع، وكم سيكون عدد ضحاياه. الشىء الوحيد المؤكد أن شعب مصر سيجد نفسه مضطرا مرة أخرى لسماع نفس الأسطوانة المشروخة التى اعتاد سماعها عشرات المرات من قبل حتى بات يحفظها عن ظهر قلب.
لا أستطيع أن ألوم رئيس الدولة، لأن لديه بعض الحق حين يحاجج باستحالة أن يتمكن فى ستة أشهر من إصلاح ما أفسده غيره فى عشرات السنين، ولا أستطيع للسبب نفسه أن أوجه اللوم إلى رئيس الحكومة أو حتى إلى وزير النقل والمواصلات، وبالتالى لا أطالب أيا منهم بتقديم استقالته. ولأن تغيير الأشخاص لا يؤدى بالضرورة إلى نتائج مختلفة، اللهم إلا إذا ترتب عليه تغيير فى النهج وفى السلوك، فإن سؤالا مشروعا أظن أنه بات من حق شعب مصر أن يطرحه الآن على نفسه وبإلحاح: هل تغير النهج أو تغيرت السياسات التى أدت إلى كل هذه الكوارث؟ الإجابة بالقطع: لا.
كل ما حدث بعد الثورة أن المجلس العسكرى حل محل مبارك، بقوة الأمر الواقع، واستمر يمارس نفس سلطاته لما يقرب من عام ونصف، ثم حل الدكتور مرسى محل المجلس العسكرى، بقوة الإرادة الشعبية المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، ومع ذلك ظلت بنية النظام القديم، وكذلك نهجه وسياساته، كما هى عليه لم يطرأ عليها أى تغيير. كل ما حدث أن رئيسا جديدا للدولة، اسمه الدكتور محمد مرسى، حل محل محمد حسنى مبارك، وأن جماعة سياسية جديدة اسمها «جماعة الإخوان المسلمين» أصبحت هى المستودع أو الوعاء الجديد لاختيار النخبة الحاكمة بدلا من الحزب الوطنى ولجنة السياسات. ورغم قصر الفترة التى قضاها الرئيس المنتخب فى السلطة إلا أنه كان بوسعه أن يثبت أن تغيرا جوهريا طرأ لمصلحة الشعب فيما يتعلق بعملية صنع القرار وهو ما لم يحدث. لذا من الطبيعى أن يصبح التشاؤم هو سيد الموقف، وأن يتوقع الناس ازدياد أحوالهم تدهورا.
لا تكمن المشكلة فى أن حادثا مروعا وقع، ففى كل بلاد الدنيا، بما فيها الأكثر تقدما وانضباطا، تقع حوادث من هذا النوع. المشكلة الحقيقية تكمن فى أن معدل وقوع الحوادث فى مصر يتزايد بمعدلات متسارعة تشير إلى حدوث تآكل خطير فى كفاءة معظم أجهزة ومؤسسات الدولة تهدد بانهيارها. ولا يحتاج المرء إلى بيانات أو بحوث أو دراسات كى يدرك هذه الحقيقة. فبوسع المستخدمين للطريق الدائرى مثلا، وأنا واحد منهم، أن يتأكدوا - من مشاهدتهم اليومية لعدد وأنواع الحوادث التى تقع عليه، والتى تزداد يوما بعد يوم - أن بنية نظام الفساد لا تزال على حالها تماما، بل تكتسب مواقع جديدة يوما بعد يوم. فعيوب التصميم والتشييد والرصف، التى كانت تظهر فور الانتهاء من كل مرحلة من المراحل، لا تزال تعالج بطرق وأساليب بدائية تفتح أبوابا جديدة للفساد واستنزاف مقدرات البلاد.
لا يستطيع أحد أن يدّعى أن الرئيس المنتخب يتحمل المسؤولية عن وجود حالة التدهور المقلقة هذه. غير أن الشعب، الذى ثار على النظام القديم الذى تسبب فيها، كان يأمل أن تبدأ عملية الإصلاح فور إسقاط رأس هذا النظام. وعندما تبين له أن المجلس العسكرى يتصرف باعتباره امتدادا للنظام القديم، رغم دوره المشهود فى الإطاحة برأس النظام القديم، وضع الشعب آماله فى رئيس منتخب، غير أن هذه الآمال ما لبثت أن راحت تتبدد بسرعة حتى كاد رصيدها ينفد تماما ليحل محلها يأس مطلق. وما لم ينتبه الرئيس وجماعته بسرعة إلى حقيقة أساسية وهى أن الدولة المصرية نفسها، وليس نظامها السياسى فقط، باتت على شفا الانهيار، وأن ترميم أجهزتها ومؤسساتها يحتاج إلى جهد جميع الوطنيين، فسوف تنزلق البلاد نحو كارثة لن تستطيع الانتخابات النيابية القادمة أن تنقذها منها، بل قد تزيد من وطأتها.
فهل يفيق الرئيس وجماعته قبل فوات الأوان؟
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"