حسن نافعة
للدور السياسى للمجلس العسكرى استبشرت خيراً قطاعات شعبية واسعة، بما فى ذلك شرائح لم تمنحه صوتها فى الانتخابات، اعتقدت فى البداية أنها إزاء رجل قوى لديه مقومات زعامة قد تمكنه من إعادة ترتيب البيت المصرى بطريقة تسمح باستكمال بناء مؤسسات النظام السياسى الجديد على أسس ديمقراطية سليمة. غير أن هذا الاعتقاد بدأ يتلاشى بسرعة بعد أن تبين أن الرئيس المنتخب ليس حريصاً على إقامة نظام ديمقراطى قدر حرصه على التمكين للجماعة السياسية التى ينتمى إليها، وراح يرتكب الخطأ تلو الآخر إلى أن وصل إلى حد الانقلاب على قواعد الديمقراطية التى أتت به رئيساً.
فقد أصدر الدكتور مرسى إعلاناً وصف بأنه «دستورى»، رغم أنه أبعد ما يكون عن هذا الوصف، ومنح نفسه سلطات وصلاحيات جعلت منه حاكماً مطلقاً لا معقب على قراراته، وحصن مؤسسات وقرارات ما كان لها أن تحصن، لينتهى به الأمر إلى طرح دستور مختلف عليه ومطعون على شرعية اللجنة التى صاغته لاستفتاء شعبى. ورغم أن نتائج الاستفتاء أكدت أن الإجراءات التى سبقته أحدثت شرخاً رأسياً فى المجتمع المصرى، إلا أن الرئيس تعامل مع هذه النتائج باعتبارها كافية لمنحه ما يحتاج إليه من تفويض لوضع دستور إخوانى النكهة موضع التنفيذ. ولأنه دستور يمنحه صلاحيات شبه مطلقة، على الأقل خلال الأشهر القليلة القادمة إلى أن يتم انتخاب برلمان جديد، فقد بدأ الدكتور مرسى يتصرف وكأن الفرصة باتت سانحة لاستخدام المهلة المتاحة لبناء نظام سياسى مصرى على مقاس جماعة الإخوان، وراح يمضى على الطريق الذى رسمته الجماعة غير عابئ بعمق الانقسام الذى أصاب المجتمع المصرى على جميع المستويات.
اندلعت طوال الأسابيع القليلة الماضية مظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، ورد أنصار الرئيس بمظاهرات مضادة سالت على إثرها دماء غزيرة وسقط قتلى وجرحى بالمئات، ولم يكتف أنصار الرئيس بذلك وإنما قام فريق منهم بفرض حصار على المحكمة الدستورية العليا ومنعت بالقوة من مباشرة اختصاصاتها القضائية، كما قام فريق آخر بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى وتهديد العاملين فى قنوات فضائية بعينها رأوا أنها تروّج لأفكار وسياسات تتعارض مع أفكار النظام وسياساته، ورفض قطاع لا يستهان به من القضاة أن يشارك فى الإشراف على الاستفتاء، احتجاجا على ما لحق بمؤسسة القضاء المصرى من إهانة، بل وصلت حالة الغليان فى مؤسسة القضاء إلى درجة وقوع تمرد على النائب العام المعين بطريقة تخالف القانون، فتصرف بدوره بطريقة أساءت إلى شخصه وانتقصت من هيبة الموقع الذى يشغله.
غير أن الرئيس المنتخب لم يأبه لذلك كله واتخذ قرارين من شأنهما تحديد سمات المرحلة المقبلة:
القرار الأول: تعيين 90 عضواً إضافياً فى مجلس الشورى قبل ساعات قليلة من دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ. ولأن هذا التعيين لن يغير شيئا من موازين القوى السياسية داخل مجلس لم تكن له أى سلطات تشريعية من قبل، وتم انتخابه بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 7% من إجمالى الناخبين، فلن يكون له تأثير يذكر على الحياة السياسية فى مصر، رغم نقل سلطة التشريع كاملة إليه وسيكون الرئيس والجماعة التى ينتمى إليها فى وضع يسمح لهما بالهيمنة المطلقة عليه.
القرار الثانى: الإبقاء على حكومة الدكتور هشام قنديل كما هى والاكتفاء بإحلال وزراء جدد بنفس المواصفات محل وزراء كانوا قد قدموا استقالاتهم بالفعل، أو عبروا عن رغبتهم فى الخروج من الوزارة الحالية لسبب أو لآخر. ولأنها حكومة ضعيفة ولا دخل لها بالسياسة، فمن المتوقع أن تكون هيمنة الرئيس عليها مطلقة.
معنى ذلك أن الرئيس «المنتخب» سيمارس صلاحياته طوال الأشهر الحاسمة القادمة كرئيس للسلطة التنفيذية فى غياب سلطة تشريع تمارس صلاحيات رقابية حقيقية، وفى ظل حكومة ضعيفة لا تعبر عن موازين القوى فى الشارع، كما كشفت عنها نتائج الاستفتاء، وفى ظل سلطة قضائية مقيدة لا تتمتع بأى استقلال حقيقى. بعبارة أخرى يمكن القول إن الرئيس سيتمتع خلال هذه المرحلة بنفس الصلاحيات التى أرادها حين أقدم على إصدار الإعلان الدستورى المثير للجدل، صحيح أنه ألغاه شكلاً، لكن آثاره لاتزال باقية بالكامل. ولأنه لا يمكن لإنسان عاقل أن يتصور أن الدكتور مرسى فعل ذلك كله لإنقاذ الثورة من مؤامرة تتعرض لها أو تهدد بالقضاء عليها، كما يدعى البعض، وإنما لإفساح الطريق أمام جماعة الإخوان لتستكمل إحكام قبضتها على البلاد، لذا تبدو مصر مقبلة على أيام صعبة. ولو كان الرئيس مهتماً حقاً بإصلاح الوضع الاقتصادى الخطير لتصرف بطريقة مختلفة، وأعطى للمصالحة الوطنية أولوية قصوى على كل ما عداها، لأنها مفتاح الاستقرار السياسى، الذى بدونه لا مواجهة للأزمة الاقتصادية الراهنة.
لا جدال عندى فى أن الوضع السياسى الحالى أقرب ما يكون إلى زواج بالإكراه للتغطية على جريمة اغتصاب السلطة. والسؤال: كيف ستتصرف مصر؟ أظن أن 25 يناير القادم سيكون له مذاق خاص.
نسأل الله أن يحمى مصر. وكل عام وأنتم بخير.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"