حسن نافعة
فخامة الدكتور محمد مرسى.. رئيس الجمهورية المنتخب.. تحية طيبة.. وبعد
أرجو أن تصلكم رسالتى هذه وأنتم فى أتم صحة وعافية، وأن يكون لديكم متسع من الوقت لقراءتها فى زحمة انشغالات كثيرة ومسؤوليات جسام نسأل الله العلى القدير أن يعينكم عليها. ولأن صناديق الاقتراع أغلقت أبوابها وبدأت عملية الفرز تمهيدا لإعلان نتيجة الاستفتاء على مشروع الدستور، فقد قررت أن أكتب لسيادتكم هذه الرسالة المفتوحة قبل أن تقرروا شكل الخطوة التالية، لعلها تساعد فى العثور على مخرج من الأزمة الراهنة.
سيدى الرئيس.. تناقلت وسائل الإعلام منذ ساعات قليلة خبراً مفاده أن قائمة بأسماء المرشحين للتعيين فى مجلس الشورى تنتظر توقيعكم الكريم، إن لم تكن قد وقعت بالفعل، وأن 75% من الأسماء التى تتضمنها تنتمى لتيارات وقوى سياسية أخرى. وقد فهمت من هذا الخبر: 1- أنكم تتوقعون موافقة أغلبية الشعب على مشروع الدستور المطروح للاستفتاء وستشرعون فى وضعه على الفور موضع التنفيذ. 2- أنكم ترون أن الخطوة الأولى بالرعاية الآن تنحصر فى استكمال تشكيل مجلس الشورى، بإضافة الثلث المعين له، كى يتسنى له القيام بسلطة التشريع كاملة وفقا لما تنص عليه المادة 230 من الدستور الجديد. 3- أن تعيين هذا العدد الكبير من رموز المعارضة فى المجلس الذى سيتولى سلطة التشريع كاملة خلال الأشهر القليلة القادمة يؤكد صدق رغبتكم فى تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الاستقطاب الراهنة. 4- أن هذه الخطوة ضرورية لاستكمال بناء بقية مؤسسات النظام السياسى الجديد والتى تستوجب تنظيم انتخابات برلمانية، لاختيار مجلس جديد للنواب خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ثم لاختيار مجلس جديد للشورى «خلال سنة من تاريخ انعقاد مجلس النواب» وفقا لما تنص عليه المادة 230.
أرجو أن تسمح لى، سيادة الرئيس، بالتعبير عن اقتناعى التام بأن هذه الخطوة لن تؤدى إلى تخفيف حدة الاحتقان الحادث فى الحياة السياسية الآن، بل ربما تزيده سوءاً، وذلك للأسباب التالية: 1- لن يترتب على التعيينات الجديدة تغير حقيقى فى مفردات المعادلة السياسية القائمة حاليا والمختلة بشدة لصالح التيار الذى تمثلونه، ومن ثم ستظل السلطة التنفيذية مهيمنة بالكامل على السلطة التشريعية. 2- لن يكون بمقدور مجلس الشورى، الذى انتخب بنسبة لا تزيد على 7%، أن يعكس، حتى بعد التحسينات، ما طرأ من تحول فى موازين القوة بين الأغلبية والمعارضة. فإذا اعتبرنا أن نتيجة الاستفتاء تعبر عن الموازين الجديدة للقوة، يصبح من حق المعارضة أن تحظى بما لا يقل عن 40% من المقاعد فى السلطة التشريعية. 3- تعتقد قوى المعارضة أن تنظيم عملية الاستفتاء على مرحلتين لا يتسق مع صحيح القانون، ومن ثم لا يمكن الاعتداد بما أسفر عنه من نتائج.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن مشروع الدستور نفسه ولد بعملية قيصرية عرّضت ولا تزال تعرض حياة الأم للخطر، لتبين لنا مدى الحاجة إلى وقفة متأنية مع النفس لتلمس معالم الطريق قبل الإقدام على أى خطوة جديدة. ولأن مصر تبدو الآن على شفا حفرة انهيار اقتصادى، بسبب حالة عدم استقرار سياسى طالت كثيرا، أظن أن أحدا لم يعد يملك ترف الاستمرار فى تبادل الاتهامات، وبات على مختلف الأطراف أن تتحمل مسؤوليتها بأمانة وشرف، وأن تبذل كل ما تستطيعه لإخراج البلاد من مأزقها الراهن. لذا أناشدكم، فخامة الرئيس، عدم الإقدام على أى خطوة لا تساعد على تخفيف حدة الاحتقان، وبالتالى عدم اعتماد مشروع الدستور المطروح للاستفتاء حاليا إلا إذا صوّت لصالحه نسبة لا تقل عن ثلثى المشاركين فى الاقتراع وزاد ما تمثله عن نصف إجمالى عدد الناخبين المسجلين فى القوائم الانتخابية أيهما أكثر. ولأنه ليس من المتوقع حصول المشروع على هذه النسبة، أقترح على سيادتكم تصوراً للخروج من الأزمة، يقوم على الخطوات الإجرائية التالية:
1- اعتبار الفترة المتبقية من ولايتكم الأولى، التى تنتهى فى يونيو 2016، فترة مكملة للمرحلة الانتقالية يتعين أن تدار من خلال توافق وطنى يقوده رئيس منتخب تقتصر صلاحياته على الأمور المتعلقة بالأمن والسيادة الخارجية ويقبل بتقاسم السلطة التنفيذية مع حكومة وحدة وطنية تكلف بإدارة جميع الأمور الأخرى المتعلقة بشؤون الدولة والمجتمع.
2- يضع الرئيس، بعد أخذ رأى وموافقة الحكومة، إعلاناً دستورياً جديدا يحدد مهام المرحلة، وشكل وطبيعة العلاقة بين السلطات، ويضع جدولا زمنيا لاستكمال بقية المؤسسات المنتخبة، على أن تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية الجديدة بالتزامن خلال الشهور الستة الأولى من عام 2016.
3- تشكل الحكومة لجنة مصغرة من رؤساء الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية لحصر الخلافات حول مشروع الدستور وتحديد السبل الكفيلة بإعادة صياغته وتنقيحه. وفى حال عدم الاتفاق يتم الاتفاق على آلية مناسبة لصياغة دستور جديد من خلال لجنة تأسيسية معينة أو منتخبة.
4- تعلن جميع القوى السياسية المشاركة فى حكومة الوحدة الوطنية التزامها بفترة تهدئة سياسية لا تقل عن عام تحظر خلالها أشكال الاحتجاج كافة، وتمنح الأولوية للإجراءات الخاصة بتنشيط الاقتصاد الوطنى وتطهير مؤسسات الدولة وإعادة بناء أجهزة الأمن... إلخ.
5- عدم إجراء أى انتخابات خلال العامين القادمين لمنح الاقتصاد الوطنى فرصة لاستعادة عافيته، على أن يتولى سلطة التشريع خلال تلك الفترة مجلس مؤقت يراعى فى اختيار أعضائه معايير الكفاءة المهنية وتوازن التمثيل السياسى معا، للحيلولة دون سيطرة أى تيار أو حزب أو قوة سياسية منفردة على الأغلبية. وليست هذه بالمهمة الصعبة، فقد سبق للقوى السياسية أن شكلت برلمانا موازيا بعد انتخابات 2010 المزورة، يمكن لهذا البرلمان أن يشكل نواة صالحة للمجلس المؤقت بعد إضافة مجموعة من الشباب الذين لمعوا بعد الثورة ولعبوا دورا مقدرا فيها.
سيادة الرئيس.. لا أدعى أن هذا التصور العام للخروج من المأزق الراهن هو التصور الأمثل، وأدرك أنه لايزال فى حاجة إلى تمحيص ودراسة. وإذا كنت قد خاطرت بطرحه على هذا النحو، فللتأكيد على أمرين أساسيين، الأول: أن الأزمة الراهنة خطيرة وتحتاج إلى تفكير مبتكر للخروج منها، الثانى: أن جوهر هذه الأزمة يعود إلى افتقاد الثقة المتبادلة بين مختلف القوى السياسية. وبدون استعادة هذه الثقة لا أمل فى أى حل، مهما كان مبتكرا. ولأننى على ثقة تامة من أن الخطوة الأولى فى عملية بناء الثقة المفقودة يجب أن تأتى بمبادرة من جانبكم، قررت أن أوجه لكم هذا الخطاب المفتوح، لعلكم تجدون فيه بعض الفائدة.
وفقكم الله لما فيه خير هذا الوطن.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"