حسن نافعة
تبدو الأمور على السطح وكأنها تسير على النحو الذى رسمته جماعة الإخوان المسلمين، فرغم المظاهرات الضخمة التى اندلعت، والدماء التى سالت، وحالة الشلل التى أصابت السلطة القضائية، تجرى الأمور وكأن شيئا لا يحدث أو يتحرك فى مصر منذ حصولها على أغلبية المقاعد فى الانتخابات التشريعية الماضية، فقد جرت جولة أولى من الاستفتاء على دستور مثير للجدل، وها هى الاستعدادات تجرى على قدم وساق للانتهاء من جولة ثانية وأخيرة، تمهيدا للإعلان عن نتائجه النهائية. ولأن جميع المؤشرات توحى بأن هذه النتائج، والتى ستعلن على الأرجح مساء الأحد المقبل، ستؤكد موافقة أغلبية المشاركين فيه على مشروع الدستور المطروح لاستفتاء الشعب عليه، فليس من المستبعد أن تتخذ جماعة الإخوان من هذه النتائج دليلا على أنها حققت انتصارا حاسما على خصومها يمنحها ما يكفى من التفويض لمواصلة الطريق الذى اختارته ورسمته لمصر.
تلك، فى تقديرى، قراءة مغلوطة لحقيقة ما يجرى على ساحة مصر السياسية، والتى أظن أن ما يجرى على سطحها يختلف كثيرا عن حقيقة ما يدور فى أعماقها. ولأن جوهر الأزمة التى تمر بها مصر، منذ فترة ليست بالقصيرة، يعود فى الواقع إلى اعتقاد الفصائل التى تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى بأنها تتمتع بشعبية كاسحة تتيح لها الحق فى أن تقيم بمفردها قواعد جديدة للنظام السياسى لمصر ولدت من أحشاء الثورة، وربما كان لهذا الاعتقاد ما يبرره فى أعقاب انتخابات برلمانية كانت قد أسفرت عن حصولها على أكثر من 75% من إجمالى المقاعد. غير أنه لم يعد لهذا الاعتقاد ما يبرره على الإطلاق، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية.
لقد أكدت نتائج الانتخابات الرئاسية حقيقتين على جانب كبير من الأهمية، الأولى: أن النواة الصلبة للفصائل التى تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى لا تمثل شعبيا سوى ربع إجمالى القوة الناخبة فى مصر، والثانية: أن الأغلبية «الصامتة»، التى تتكون من جماهير غير منظمة فى أحزاب تشكل رمانة الميزان فى أى نظام سياسى، لم تعط لهذه الفصائل شيكا على بياض، وأنها قادرة على إسقاطها مثلما كانت قادرة من قبل على التمكين لها. ولأن جماعة الإخوان والفصائل المتحالفة معها لم تتمكن من استيعاب هذه الحقائق، رغم إشارات كانت قد صدرت من الدكتور مرسى تشير إلى عكس ذلك، فقد بات واضحا أنها لن تستطيع فهم الرسالة الجديدة، التى بعث بها الشعب المصرى من خلال أحداث خطيرة وقعت خلال الأيام أو الأسابيع الماضية وأكدتها نتائج المرحلة الأولى من الاستفتاء، وهى أحداث ونتائج تشير إلى أن شرخا عميقا أصاب المجتمع المصرى، وأن معالجة هذا الشرخ يتعين أن تحظى بالأولوية القصوى فى المرحلة المقبلة، بصرف النظر عن النتائج النهائية للاستفتاء.
كانت الفصائل التى تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى تصر على الادعاء بأن الجماهير التى احتشدت فى ميدان التحرير، قبل أن تتوجه إلى قصر الاتحادية لتعبر عن اعتراضها على إعلان «دستورى» يحصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، وكذلك عن رفضها الطريقة التى تم بها إقرار مشروع الدستور، لا تمثل سوى أقلية من الأقباط والعلمانيين. غير أن الجولة الأولى من الاستفتاء أكدت، رغم ما أحاط بها من شكوك، أن هؤلاء يمثلون ما يقرب من نصف الشعب المصرى.
والواقع أننا إذا فحصنا بدقة نتائج هذه الجولة فسوف نكتشف أن الجماهير التى رفضت مشروع الدستور تنتمى فى معظمها إلى المناطق الحضرية وإلى الشرائح الاجتماعية الأكثر ثقافة وتعليما وخبرة فنية، فإذا كان النظام الحاكم لايزال يعتقد أنه يعبر عن أغلبية المصريين، وأن بوسعه صياغة مؤسسات النظام السياسى لمصر الجديدة دون، مشاركة نصف المجتمع الذى صوت بـ«لا» على مشروع الدستور، أظن أنه يرتكب خطأ قاتلا، ويضع البلاد على حافة هاوية.
أتمنى أن يكون رئيس الدولة قد قرأ بطريقة صحيحة فحوى الرسائل التى بعثت بها التحركات الشعبية التى جرت خلال الفترة الأخيرة، وكذلك الرسائل التى ستبعث بها النتائج النهائية للاستفتاء، وأن يستخلص منها الدروس المستفادة. وتحتم عليه هذه الدروس، فى تقديرى، الشروع فورا فى إجراء مصالحة مجتمعية حقيقية وجادة، قبل أن يقرر أى خطوة تالية، بما فى ذلك تسمية الأعضاء المعينين فى مجلس الشورى. المصالحة أولا وقبل كل شىء، وفق برنامج واضح لإدارة مشتركة لما تبقى من المرحلة الانتقالية.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"