حسن نافعة
لا أميل بطبيعتى إلى اتخاذ مواقف سياسية حادة إزاء قضايا لا تتوافر بشأنها حدود دنيا من المعلومات التى يمكن الاطمئنان إليها، لتبرير مثل هذه المواقف عقليا ووجدانياً. وعندما يتعلق الأمر بقضية شديدة الأهمية من نوع الاقتراع على دستور لمصر الجديدة، وما تنطوى عليه عملية الاقتراع من ضمانات النزاهة والشفافية، فمن الطبيعى أن أكون أكثر حذراً وأن أسعى لتحرى الحقيقة قدر المستطاع. لذا كان حرصى شديداً على متابعة التقارير الخاصة بسير عملية الاقتراع وما تضمنته من تجاوزات وانتهاكات، كى أصبح فى وضع يسمح لى بتحديد موقفى من الجدل الدائر حاليا حول هذه القضية بأكبر قدر ممكن من الاطمئنان، بلا تعسف أو انفعال.
قبل أى حديث عما خلصت إليه من هذه المتابعة، أود التأكيد على أمر مهم ألا وهو ضرورة التمييز بين حجم ونوعية الانتهاكات، التى قد تؤثر على النتيجة الرسمية للاقتراع وتلك التى قد لا تؤثر عليها، ففى بلد تصل فيه نسبة الفقر والأمية إلى حوالى 40% من إجمالى عدد السكان، وتسود فيه ثقافة سياسية يغلب عليها الطابع الغيبى، من المتوقع حدوث تجاوزات وانتهاكات عديدة. ولأن أغلب هذه الانتهاكات عادة ما يكون من النوع الذى لا يؤثر بشكل حاسم على النتيجة النهائية أو الرسمية، فلن يكون من المفيد أن نتوقف عنده كثيرا، وأن ينصب جل اهتمامنا على التجاوزات أو الانتهاكات التى قد تؤدى إلى إفساد إرادة الناخبين.
والواقع أن أكثر ما لفت انتباهى فى تقارير منظمات المجتمع المدنى التى تابعت الاستفتاء، أمران، الأول: رصد وجود موظفين من خارج الهيئات القضائية يتولون الإشراف على بعض لجان الاقتراع، بالمخالفة الصريحة لما تقضى به القوانين واللوائح المعمول بها، والثانى: رصد أوجه خلل شابت عملية توزيع التصريحات، التى تمكن مؤسسات المجتمع المدنى المحلية والدولية من مراقبة سير عملية الاقتراع، وتحكم بعض رجال الحزب الحاكم فى هذه العملية. ومن شأن هذه الاتهامات، فى حال ثبوتها، إفساد عملية الاقتراع، بما يوجب بطلانها.
أدرك أن رئيس اللجنة العليا للانتخابات نفى هذه الاتهامات نفيا قاطعا، غير أن ما قاله فى المؤتمر الصحفى الذى تابعته باهتمام لا يبدد كل الشكوك، فقد تعامل رئيس اللجنة المسؤول مع ما ورد من وقائع فى التقارير المشار إليها، باعتبارها اتهامات بالتورط أو بالتواطؤ موجهة للجنة العليا للانتخابات نفسها. غير أن ذلك ليس صحيحا بالضرورة، فلا أحد يشكك فى أن جميع الأسماء التى ضمتها الكشوف المعتمدة للمشرفين على لجان الاقتراع كانوا جميعاً من القضاة، غير أن ذلك لا يحول دون احتمال حدوث تحايل لا علاقة للجنة به، لملء الفراغ الناجم عن اعتذار بعض القضاة فى آخر لحظة، كما أنه ليس من المستبعد أيضاً أن البعض من أعضاء المجلس المصرى لحقوق الإنسان، الذى أصبح الآن واقعاً تحت سيطرة الحزب الحاكم، قد تلاعب فى عملية توزيع التصريحات الخاصة بالرقابة على عملية الاقتراع، بطريقة أدت إلى إضعاف الدور الرقابى لمؤسسات المجتمع المدنى المحلية والدولية، عن قصد وسوء نية.
لقد أكدت بعض منظمات المجتمع المدنى فى مصر أن لديها وثائق تثبت قيام أشخاص لا ينتمون للهيئات القضائية بالإشراف على سير العملية الانتخابية فى عدد من اللجان الانتخابية، كما تثبت فى الوقت نفسه أن آلاف التصاريح الخاصة بالمراقبة الانتخابية سلمت فارغة ومختومة إلى جهات بعينها لتوزيعها بمعرفتها. كما أكدت هذه المنظمات أنها أرسلت نسخاً من هذه الوثائق إلى كل من النائب العام ورئيس اللجنة العليا للانتخابات. وعلى السلطات المعنية أن تتعامل مع هذه الوثائق بالجدية الواجبة، وأن تقوم بالتحقيق فيما ورد فيها من وقائع واتهامات، فإذا ثبت أنها صحيحة يتعين إلغاء نتيجة الاستفتاء على الفور، أما إذا ثبت أنها كاذبة وملفقة، واستخدمت أداة فى صراع سياسى أو أيديولوجى فيتعين فى هذه الحالة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد منظمات روجت عمداً لتقارير كاذبة تثير البلبلة والفتنة، حتى ولو أدى ذلك إلى حلها أو وقفها ومنعها من مزاولة النشاط.
هناك شكوك جادة تحوم حول نزاهة الانتخابات، ومن مصلحة النظام الحاكم وأيضا من مصلحة الوطن كله، تبديد هذه الشكوك.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"