تكريس الانقسام

تكريس الانقسام

المغرب اليوم -

تكريس الانقسام

حسن نافعة

إذا كان الإصرار على طرح مشروع الدستور الحالى للاستفتاء قد نجح فى شىء، ففى تكريس وتعميق الانقسام بين المصريين إلى درجة باتت خطيرة ومثيرة للقلق. فالانقسام الحادث بين المصريين الآن لم يعد مقصوراً على مستوى النخبة لكنه أصبح يضرب فى العمق. ولا جدال فى أن صورة المجتمع المصرى حاليا تتناقض كلياً مع صورة أخرى كانت قد رسمتها الثورة فى الميدان لشعب بدا موحداً فى مواجهة الطغيان. فطوال الفترة الممتدة من 25 يناير حتى 11 فبراير من عام 2011 وقف الإخوانى والسلفى والجهادى جنبا إلى جنب مع الليبرالى واليمينى واليسارى، كما وقف الرأسمالى إلى جانب الاشتراكى، والغنى إلى جانب الفقير، والسافرة إلى جانب المحجبة والمنتقبة، والشاب إلى جانب الشيخ والطفل والمعاق، والمسلم إلى جانب القبطى. وكان من أروع ما نقلته وسائل الإعلام من مشاهد فى تلك اللحظة الرائعة من تاريخ الوطن مشهد شباب قبطى يصب الماء ليتوضأ شيوخ مسلمون، وصلاة تقام تحت حماية الأقباط، وقداس يقام تحت حماية المسلمين فى ذلك الميدان الذى أصبح اسماً على مسمى: ميدان التحرير. هذا المشهد الرائع هو ما جعل النظام القديم يبدو أصغر بكثير من شعب لم يكن يحكمه إلا بالحديد والنار، ومن ثم كان محتماً أن يسقط، وحين سقط رأسه تصورنا أن مصر جديدة على وشك أن تقام على أنقاضه، وأن نظامها الجديد لابد أن يكون رحباً وأن يتسع ليضم جميع التيارات السياسية والفئات الاجتماعية والشرائح العمرية، ولا يفرق بين المصريين على أساس من مذاهبهم أو عقائدهم السياسية أو الأيديولوجية أو الدينية، وسيضمن مشاركة الجميع، كل حسب طاقته، وسيحتكم إلى صناديق الاقتراع فقط لحسم ما قد يثور من خلافات. غير أن هذا الحلم راح يتلاشى تدريجياً وبسرعة، حيث بدأ صراع الكل ضد الكل على كعكة لم تكن قد نضجت بعد إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. وبدت مصر عشية الاستفتاء على الدستور فى صورة مجتمع منقسم إلى نصفين: نصف يمثله تيار الإسلام السياسى ونصف تمثله تيارات أخرى، كل منهما يدعى أنه أصبح الممثل الشرعى لمصر كلها والمتحدث الرسمى باسمها. الخطر أن هذا الانقسام لم يعد مقصوراً على الجانب السياسى وإنما تحول إلى انقسام اجتماعى وطائفى فى الوقت نفسه. وقد أكدت نتائج الجولة الأولى من الاستفتاء أن هذا الانقسام لن يختفى بعد نهاية الجولة الثانية، سواء رجحت فى النهاية كفة المصوتين على الدستور بـ«نعم» أو رجحت كفة المصوتين عليه بـ«لا». إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن فلن يستطيع المجتمع المصرى أن يعمل إلا بنصف طاقته وبنصف شعبه فقط. وحتى بافتراض أن التنافس بين النصفين المتصارعين سيظل يدار بطريقة سلمية، وهو ما ليس بوسع أحد أن يضمنه أو يتحكم فيه، فمن المؤكد أن استمراره يلحق ضرراً بليغاً بمصر المستقبل. يستطيع كل من المعسكرين المتصارعين أن يلقى بالمسؤولية على كاهل المعسكر الآخر، غير أن الاتهامات المتبادلة لن تؤدى إلا إلى شىء واحد وهو تعميق حدة الانقسام، وستخلق مناخاً يصعب فيه البحث عن مخرج للمأزق الذى نعيشه جميعاً. ولن يكون بالإمكان أن نعثر على مخرج حقيقى من هذا المأزق إلا حين نصبح مستعدين للتفكير خارج الصندوق وبطريقة مبتكرة. ولاشك أن أول خطوة على هذا الطريق تبدأ بالتخلى عن الفكرة القائلة إن من حق الأغلبية أن تفرض دستورها على الأقلية. فخضوع الأقلية للأغلبية قد يكون أمراً مسلماً به حين يتعلق الأمر بالتشريع لكن ليس حين يتعلق الأمر بصناعة الدساتير وتحديد قواعد إدارة اللعبة. لا تنتظروا نتيجة الجولة الثانية من الاستفتاء لأنها لن تغير من الانقسام الحادث شيئاً، ولنبدأ التفكير منذ الآن فى كيفية الخروج من المأزق. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تكريس الانقسام تكريس الانقسام



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib