ليس هكذا توضع الدساتير

ليس هكذا توضع الدساتير

المغرب اليوم -

ليس هكذا توضع الدساتير

حسن نافعة

حين تقرر أسرة تشييد منزل جديد يتسع لكل أفرادها ويحصل كل عضو فيها على الغرفة والتجهيزات التى تتناسب مع سنه ومكانته وطبيعة عمله، يتعين على رب الأسرة أن يلجأ أولاً إلى مهندس استشارى يكلف بوضع تصميم للمنزل بالمواصفات التى تحددها الأسرة. وبعد التأكد من أن التصميم المقترح يلبى جميع احتياجاتها، من الطبيعى أن يتم تسليم التصميم المعتمد إلى مقاول يتولى عملية البناء، ثم يقوم بتسليم المنزل للأسرة بعد الانتهاء منه تماما خلال المدة المتفق عليها. فهل يجوز للمقاول، حين تكتشف الأسرة أن بالمنزل الجديد الذى ستقيم فيه عيوباً خطيرة، أن يحاول إقناعها بأنه لم يكن فى الإمكان أبدع مما كان، وأن عليها أن تتسلم المنزل بما فيه من عيوب، بدعوى أنه بذل جهدا خارقاً للانتهاء منه فى الموعد المحدد، واستعان فى تنفيذه بعدد ضخم من أمهر العمال والمهندسين، وكلفه أكثر بكثير مما كان مقدرا له؟. وهل يحق لرب الأسرة أن يفرض على أسرته الانتقال والإقامة فى منزل جديد معيب مقابل التعهد بإصلاح ما به من عيوب فيما بعد، رغم علمه يقينا بأن الشجار بدأ يدب بين أعضاء الأسرة التى عبرت بوضوح عن عدم ارتياحها للإقامة فى هذا المنزل، ولو مؤقتا؟ أظن أن الحكمة تفرض على الأب فى هذه الحالة أن يسلم بحقها أو بحق بعض أفرادها فى رفض فكرة الانتقال الفورى إلى منزل غير مطابق للمواصفات، وأن يطلب من المقاول إجراء الإصلاحات اللازمة بالمنزل المعيب قبل أن يقرر تسلمه، وأن يؤجل عملية الانتقال إلى هذا المنزل المعيب إلى ما بعد إصلاحه. تلك هى بعض المعانى التى ترد إلى ذهنى فى كل مرة يتاح لى فيها متابعة الجدل الدائر حاليا حول مشروع الدستور الجديد الذى تسلمه رئيس الدولة منذ حوالى أسبوعين، ويصر على استفتاء الشعب فيه اعتبارا من الغد رغم اعترافه بأن به عيوبا جسيمة وعد بإصلاحها لاحقا. وكثيرا ما أشعر بالغيظ حينا، وبالشفقة أحيانا، عندما أستمع إلى بعض أنصار الحزب الحاكم وهم يرددون، دون ملل، أشياء يبدو أنهم حفظوها عن ظهر قلب، من قبيل: إن أعضاء الجمعية التأسيسية أنفقوا آلاف الساعات واستعانوا بعشرات الخبراء والفقهاء لكتابة المشروع المطروح حاليا للاستفتاء، وأن هذا المشروع يعد واحدا من أعظم دساتير العالم إن لم يكن أعظمها جميعا، وأن لجنة من الجمعية طافت البلاد بطولها وعرضها وأجرت حوارا مجتمعيا شاملا حول هذا الدستور قبل إقراره... إلخ. غير أنه يصعب على شعب مصر الواعى أن يبتلع مثل هذه المبررات لقبول دستور معيب، خصوصا أنه بدأ يدرك الآن حقائق على جانب كبير من الأهمية كانت غائبة عنه. من هذه الحقائق: أن مسودة الدستور المطروح حاليا للاستفتاء تغيرت حوالى عشر مرات فى أقل من ستة أسابيع، دون أن يدرى أحد بالضبط من الذى اقترح إدخال هذه التعديلات، ودست بها فى اللحظات الأخيرة مواد لم تناقش أصلا أو سبق استبعادها (مثل المادة الخاصة بتخصيص نسبة 50% من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين فى الانتخابات البرلمانية القادمة فقط)، ولم تحظ بالمناقشة الواجبة والجادة فى الجلسات العامة لأن المناقشات الفعلية حولها دارت فى اللجان النوعية... إلخ!! إن أى مشروع للدستور يؤدى إلى انقسام الشعب حوله لابد أن يكون سيئاً بطبيعته ولا يصلح للطرح فى استفتاء عام حتى ولو كان أعظم دساتير العالم من الناحية الموضوعية. وقد كان واضحا منذ البداية أن عيوبا خطيرة شابت جميع مراحل إعداده، بدءا بمرحلة التصميم، مرورا بمرحلة البناء وانتهاء بمرحلة التشطيب. وغداً تجرى محاولة لفرضه عنوة على النصف الآخر من الشعب. ويبدو واضحا لكل ذى عينين أن الأحداث التى شهدتها مصر، خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، تقطع بأن قطاعا مهما، لا يمكن تجاهله من شعب مصر، ليس مستريحاً على الإطلاق إلى مسودة الدستور بشكلها الحالى، وليس مطمئناً إلى الوعود التى قطعها الرئيس على نفسه بطلب تعديل المواد المختلف عليها. فالرئيس يملك حق طلب التعديل، لكنه لا يملك القوة أو الوسائل التى تمكنه من إقرار التعديلات المطلوبة، فضلا عن أن إقرار هذه التعديلات ووضعها موضع التنفيذ سيستغرق وقتا طويلا. لكل هذه الأسباب مازلت على قناعة تامة بأن تأجيل الاستفتاء على هذه المسودة هو القرار الصحيح والأفضل، من منظور المصلحة العامة. فليس بهذه الطريقة تكتب الدساتير وتطرح للاستفتاء العام. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس هكذا توضع الدساتير ليس هكذا توضع الدساتير



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
المغرب اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib