حسن نافعة
يقر بعض أنصار النظام الذى يحكم مصر الآن بعدم مواءمة طرح مشروع الدستور للاستفتاء فى ظل الانقسام السياسى الحادث حاليا، لكنهم يدعون فى الوقت نفسه أن الاعتبارات القانونية تحتم تنظيم هذا الاستفتاء فى موعده المحدد يوم السبت القادم. وتتلخص حجج هؤلاء فى أن المادة 60 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011، التى تقضى بطرح مشروع الدستور خلال خمسة عشر يوما من إقراره، هى إحدى المواد التى تم استفتاء الشعب عليها، ومن ثم فإن تعديلها يتطلب استفتاء مماثلا. غير أن هذه الحجة لا تقوم على أساس، وذلك لأسباب كثيرة أهمها:
1- أن المواد المستفتى عليها هى فى الأصل مواد تضمنها دستور 1971 وعدلت بواسطة لجنة معينة، وبالتالى يفترض أن يرتبط دخولها حيز التنفيذ بدخول دستور 1971 نفسه حيز التنفيذ، وهو ما لم يحدث نظرا لأن المجلس العسكرى قرر إصدار إعلان دستورى بديل اشتمل على 63 مادة. صحيح أن هذا الإعلان تضمن المواد التسع المستفتى عليها، غير أن هذه المواد يجب أن ينظر إليها باعتبارها متساوية المقام والأوزان وتشكل كلا واحدا لا يقبل التجزئة أو التمييز، واعتبار أن بعضها يمكن تعديله بإعلان دستورى عادى بينما يتطلب تعديل بعضها الآخر استفتاء عاما. فمثل هذا التمييز غير منطقى وغير مقبول ولا سند له من القانون.
2- أن نص المادة المستفتى عليها خضع للتعديل قبل أن يدرج ضمن الإعلان الدستورى المشار إليه. فنصها الأصلى، الذى كان يفترض أن يكون المادة 189 من دستور 1971 بعد التعديل، جاء على النحو التالى: «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189». أما نص المادة 60 من الإعلان الدستورى فقد جاء على النحو التالى: «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويُعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء». وسوف يلاحظ القارئ أن كلمة «اختيار» فى نص المادة المستفتى عليها استبدلت بكلمة «انتخاب» فى الإعلان الدستورى، وهو تعديل له مغزاه. ومعنى ذلك أن المادة 60 فى الإعلان الدستورى المطبقة حاليا ليست هى ذات المادة التى تم استفتاء الشعب عليها.
3- أن الدكتور مرسى أصدر «إعلانا دستوريا» فى 22 نوفمبر الماضى تضمن تعديلا لهذه المادة نفسها، حين قام بمد المهلة الممنوحة للجمعية التأسيسية للانتهاء من كتابة الدستور لتصبح ثمانية أشهر بدلا من ستة، دون أن يطرح هذا التعديل فى استفتاء عام.
4- أن اشتراط إجراء الاستفتاء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اعتماد الدستور بواسطة الجمعية التأسيسية، هو من قبيل النواحى التنظيمية التى لا يعد تغييرها لدواعى المصلحة العامة إخلالا بنص القانون أو روحه.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أنه كان بوسع الرئيس، إن أراد حقا أن يبحث عن مخرج قانونى لهذه المعضلة، اللجوء إلى إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وهو ما لم يحدث، لتبين لنا بوضوح أن الإصرار على طرح مشروع الدستور للاستفتاء الآن له دوافع سياسية، تتعلق بتحقيق مصلحة جماعة الإخوان وليس بالضرورة مصلحة الوطن، وأن الدفوع القانونية ليست سوى ذريعة للتغطية على الدوافع الحقيقية. ولأننى على يقين من أن المصالح الوطنية العليا تفرض على رئيس الدولة عدم إجراء الاستفتاء فى ظل الانقسام السياسى القائم حاليا، أتوجه إليه بالرجاء أن يتخذ قرارا فوريا بتأجيل الاستفتاء على مشروع الدستور لمدة شهرين لمنح الحوار المجتمعى فرصة للتوافق ليس فقط على الدستور ولكن أيضا على طريقة لإدارة مشتركة ومنضبطة لما تبقى من المرحلة الانتقالية
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"