حسن نافعة
بعد ليلة مضطربة لم أذق فيها طعم النوم، أمضيت نهار الجمعة الماضى فى أحاديث هاتفية مع أصدقاء كثيرين، كان من بينهم مسؤولون كبار ورموز فكرية أثق فى صدق توجهاتهم الوطنية، لتبادل الرأى حول ما جرى ويجرى، والبحث عن سبيل للخروج من أخطر أزمة تواجه البلاد منذ الثورة. ومع بزوغ فجر اليوم التالى استشعرت أن الأمور تتجه نحو التهدئة. فقد علمت أن قرارا اتخذ بتأجيل موعد بدء استفتاء المصريين فى الخارج، وأن اتصالات مكثفة تجرى لإقناع رموز المعارضة بالمشاركة فى الحوار، كان من بينها اتصال مطول أجراه المستشار محمود مكى، نائب الرئيس، مع الدكتور محمد البرادعى أكد فيه أن النية تتجه بالفعل نحو تأجيل موعد الاستفتاء. وبظهور إرهاصات للحل، راحت معالمه تتضح تدريجيا، بدأت أشعر بقدر من التفاؤل المشوب بالحذر.
قبل أن ينتصف النهار، تلقيت اتصالا من أحد الأصدقاء الذين كنت قد تواصلت معهم حول هذا الموضوع، وبعد أن طمأننى بأن الأمور بدأت تسير فى الاتجاه الصحيح ونقل إلىّ معلومات إضافية حول حقيقة ما يجرى، سألنى فى نهاية حديثه عما إذا كان السفير رفاعة الطهطاوى قد اتصل بى، وما إذا كانت الدعوة قد وجهت لى لحضور اللقاء المرتقب مع السيد الرئيس، وعندما أجبته بالنفى أبدى دهشته، متوقعا أن هذا الاتصال لن يتأخر كثيرا. لم أندم لأن توقعه خاب، ورحت أتابع أخبار اللقاء المنتظر بين الرئيس ورموز المعارضة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأنتظر بلهفة ما قد يسفر عنه من نتائج. غير أن الانتظار طال كثيرا.
بمرور الوقت، بدأت أشعر بالقلق يتسرب إلى نفسى من جديد، خصوصا مع تواتر أنباء عن الشخصيات التى حضرت اللقاء. ثم راحت أنباء تتواتر عن تصريحات بدت لى متشددة، أدلى بها الدكتور محمد بديع فى مؤتمر صحفى عقد فى مقر الجماعة بالمقطم، تبعتها بعد قليل تصريحات أكثر تشدداً أدلى بها المهندس خيرت الشاطر على هامش مؤتمر نظمه «ائتلاف القوى الإسلامية». ولأننى خشيت أن ينعكس هذا التشدد سلبا على المفاوضات التى تجرى فى القصر الجمهورى، وهو ما حدث بالفعل، فقد انتابتنى هواجس بأن الأمور لا تسير فى الاتجاه الصحيح.
بعد ساعات طويلة من الانتظار امتدت حتى العاشرة مساء، خرج علينا الأستاذ الدكتور سليم العوا، وهو رجل أجله وأحترمه، ليقرأ بيانا أقل ما يقال فيه أن ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، وأنه انطوى على قدر كبير من التدليس. فظاهر البيان يقول بأن الرئيس تحلى بمرونة كبيرة، بدليل قيامه بإلغاء الإعلان الدستورى المثير للقلق واستبداله بآخر أكثر مدعاة للاطمئنان، أما جوهره فيدل على أن الرئيس تراجع عن اتخاذ القرار الوحيد الصحيح الذى كان بإمكانه فتح باب حقيقى نحو التهدئة، ألا وهو تأجيل الاستفتاء. ولم يكن لدىّ سوى تبرير واحد لهذا التراجع وهو أن قيادة الجماعة، ممثلة فى المرشد العام ونائبه القوى الذى كثيرا ما يبدو وكأنه صانع القرار الحقيقى داخل الجماعة، رفضت التأجيل، وأصرت على عقد الاستفتاء فى موعده. وإذا صح هذا الاستنتاج فلن يكون له سوى معنى واحد وهو وجود دليل إضافى على أن الشكوك بأن مصر تدار من مكتب الإرشاد فى المقطم، وليس من القصر الرئاسى فى مصر الجديدة، لها ما يبررها.
كان من الطبيعى أن يبحث البعض عن ذريعة يبرر بها هذا التراجع، وتصور أنه عثر عليها، حين ادعى بوجود معضلة قانونية تحول دون تأجيل الاستفتاء، بذريعة أن المادة التى تلزم الرئيس بطرح مشروع الدستور للاستفتاء خلال خمسة عشر يوما هى من بين المواد التى تم الاستفتاء عليها فى 19 مارس عام 2011، ومن ثم لا يجوز تعديلها إلا بعد استفتاء مماثل!. فهل لهذه الذريعة أساس من الصحة؟ بالتأكيد لا، وهو ما سنحاول توضيحه غدا بإذن الله.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"