حسن نافعة
أمسك الشعب المصرى أنفاسه يوم الثلاثاء الماضى لأنه خشى من وقوع صدام بين القوى السياسية الرافضة لإعلان الرئيس محمد مرسى والقوى المؤيدة له. وكانت القوى السياسية الرافضة للإعلان قد قررت الخروج فى مظاهرة حاشدة فى ميدان التحرير، أما القوى المؤيدة له فقد أعلنت أنها ستخرج فى مظاهرة حاشدة اختارت لها ميداناً آخر هو ميدان عابدين تحاشياً لوقوع صدام. وعندما تبين لها أن الميدان الذى اختارته يعد قريباً نسبياً من ميدان التحرير، وبالتالى قد لا يحول دون وقوع الاحتكاك الذى يخشاه الجميع، قررت تغيير مكان التجمع وبدء المسيرة من أمام جامعة القاهرة. وقد وصلت المخاوف مما قد يحدث فى هذا اليوم حداً دفع بالجامعة إلى تعطيل الدراسة وقصرها على الفترة الصباحية.
تجدر الإشارة إلى أن جماعة الإخوان والفصائل المتحالفة معها كانت قد بدأت تدرك أن خطر الصدام مازال قائماً، ومن ثم فلم تتردد فى إعادة تقييم موقفها وقررت مساء الإثنين الماضى إلغاء المظاهرة التى كانت تعتزم القيام بها حتى إشعار آخر. ولأنه كان قراراً حكيماً بالفعل فقد استوجب الإشادة والتحية من جانب كل القوى الحريصة على مصالح هذا البلد، وهو ما حدث بالفعل. هكذا خلت الساحة للمعارضة التى نجحت بالفعل فى حشد مئات الآلاف وربما ملايين المواطنين فى طول البلاد وعرضها. وعلى الرغم من أن يوم التظاهر مر بسلام فى القاهرة فإن عدداً من المدن الأخرى شهد أحداث عنف قام خلالها متظاهرون غير معلومى الهوية بالهجوم على بعض مقار حزب الحرية والعدالة، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى واستوجب إدانة قوية من جميع القوى السياسية الحريصة على سلامة هذا الوطن فعلاً.
غير أن النجاح الذى أحرزته المعارضة فى ذلك اليوم أثار حفيظة قوى مؤيدة للرئيس تريد أن تثبت أنها الأكبر والأقوى والأكثر جماهيرية، فقررت تنظيم مظاهرة خاصة بها غداً السبت، وهذا حقها الذى لا يمكن أن يجادلها فيه أو ينكره عليها أحد. غير أنها اختارت ميدان التحرير مكاناً للتظاهر، مما سيؤدى حتما إلى الاحتكاك بقوى المعارضة التى لايزال بعضها معتصما فى الميدان. أما المشكلة الأكبر، والأكثر خطورة بما لا يقاس، فتتعلق بالشعارات التى قررت رفعها لحشد الأنصار والمتعاطفين معها فى مليونية تطلق عليها «مليونية الشرعية والشريعة».
لقد أصدرت الدعوة السلفية يوم الأربعاء الماضى بياناً جاء فيه: «إن البعض أراد إسقاط عمل ستة أشهر للجمعية التأسيسية بكل أطيافها قبل أن ينسحب منها المنسحبون، وكثير منهم يصرح بأن سبب رفضه لما تم التوصل إليه هو المادة 220 المفسرة لمبادئ الشريعة، علماً بأنها من وضع هيئة كبار العلماء فى الأزهر الشريف، كما أن كل المنسحبين، بمن فيهم ممثلو الكنائس الثلاث، سبق لهم التوقيع عليها. ومن هنا كانت الدعوة إلى هذه المليونية نعلن من خلالها: 1- التأكيد على شرعية الرئيس المنتخب. 2- إعلان أن هناك شرائح واسعة من الشعب المصرى تؤيد الإعلان الدستورى لاسيما بعد توضيحات الرئيس بشأنه. 3- التأكيد على أن المادة 220 وإن كانت دون طموحات جموع الشعب التى تاقت إلى النص الصريح على مرجعية الشريعة فى دستورها إلا أن القوى الإسلامية المعبرة عن هذا المطلب الشعبى قد رضيت به من التوافق الذى يدعى البعض أن القوى الاسلامية أهملته رغبة فى إنجاز دستور يعبر بالبلاد من الحالة التى هى فيها. ونحن نوضح أننا بهذه الفعالية نعلن عن آرائنا ليدرك الجميع أن الكلمة ليست لهذه المليونية أو لتلك، وإنما ينبغى أن تكون الكلمة النهائية هى كلمة الشعب المصرى بأكمله عن طريق إجراء الاستفتاء الدستورى، فإن رآه معظم الشعب مَعيباً كما يدعى البعض فليرفضوه، وإن حاز على ثقة الشعب وجب على المعترضين أن يسلموا ونكون بذلك قد خطونا خطوة إلى الأمام. ومن هذا المنطلق تدعو الدعوة السلفية جميع أبناء مصر إلى المشاركة فى فعاليات مليونية (الشرعية والشريعة) السبت 1 ديسمبر بميدان التحرير».
وبصفتى عضواً فى «اللجنة الفنية الاستشارية» لكتابة الدستور، أود أن أقرر أن هذه اللجنة، التى كانت قد فرغت من مراجعة ما يقرب من ثلثى مسودة الدستور، اقترحت تعديلات تتعلق بحوالى 50 مادة، أى ما يقرب من ربع مواد الدستور، وبالتالى فإن الادعاء بأن الانسحابات التى تمت كانت بسبب الاعتراض على المادة 220 هو اعتراض يجافى الحقيقة وقصد به تضليل الأمة. واستخدام الشريعة وسيلة لإشعال الفتنة أمر يتناقض كلياً مع روح الإسلام. لذا لا يسعنى إلا أن أقول لكم: اتقوا الله فى مصر أيها السادة.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"