حسن نافعة
نجح الدكتور محمد مرسى فى اختبار صعب فرضته عليه إسرائيل حين قررت، دون مبرر سياسى أو عسكرى مقبول، شن حرب مفتوحة على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. وتعود صعوبة هذا الاختبار إلى طبيعة الأهداف التى سعت إسرائيل لتحقيقها من شن الحرب، والتى كان من بينها: 1- دق إسفين بين قيادة سياسية مصرية جديدة خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين وحكومة فلسطينية تعد امتدادا سياسيا وأيديولوجيا، وربما تنظيميا أيضا، لنفس الجماعة التى تنتمى إليها القيادة المصرية بإظهار عجزها عن مساعدتها. 2- دق إسفين بين قيادة سياسية متهمة بإدارة الدولة المصرية لحساب جماعة دينية وقيادة عسكرية تبدو أكثر التصاقا بالمصالح الوطنية المصرية، وربما بالنظام القديم أيضا. وقد استطاعت القيادة السياسية الجديدة فى مصر أن تقدم لحليفها السياسى والأيديولوجى فى فلسطين ما توقعه منها من دعم، لكن دون أن تعرض الدولة، التى تتولى مسؤولية قيادتها، لمغامرة غير محسوبة العواقب. ليس هذا فقط وإنما استطاع مرسى أن يدير الأزمة بمنهج مختلف ساعده على الإمساك بخيوط عديدة وتحريكها بطريقة تمكن مصر الدولة من أن تصبح هى اللاعب الرئيسى فى عملية إدارتها. ولأن القوى الإقليمية والدولية كانت قد اعتادت على رؤية مصر وهى تكتفى بدور المتفرج أو اللاعب الثانوى والتابع، فقد كان من الطبيعى أن تبدأ رؤيتها لمصر فى التغير، وهى تلاحظ الفارق الكبير جدا بين الدور الذى لعبته القيادة السياسية الجديدة فى هذه الأزمة والدور الذى لعبه النظام السابق إبان أزمة 2008/2009.
ما إن بدأ العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة حتى ردت القيادة المصرية عليه باتخاذ عدد من الإجراءات التى أكدت، بما لا يدع مجالا للشك، أن مصر قد تغيرت، كان من بينها: 1- سحب سفيرها من إسرائيل على الفور والتهديد باتخاذ إجراءات أقوى إذا تمادت إسرائيل فى عدوانها. 2- طلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لضمان حشد موقف عربى جماعى داعم لموقفها. 3- بدء تهيئة الأجواء لطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، حتى لو أدى ذلك إلى إحراج الموقف الأمريكى. غير أن القيادة السياسية كانت حريصة، فى الوقت نفسه، على أن تضبط إيقاع حركتها دون تهور أو اندفاع حتى لا تفلت زمام الأمور، وأن تبقى على جسورها مفتوحة مع كل الأطراف التى يمكن أن تساعد على التوصل إلى وقف لإطلاق النار لا يلبى الشروط الإسرائيلية، وهو ما تحقق بالفعل. ولا شك عندى فى أن ما تحقق يعد انتصارا لشعب فلسطين المحاصر فى غزة أولا، ولقيادته المقاومة ثانيا، ثم للقيادة السياسية الجديدة فى مصر ثالثا، وهو انتصار يمكن البناء عليه لإدارة أكثر رشداً للصراع العربى ـ الإسرائيلى فى المستقبل.
ومع ذلك يبدو التباين بين الطريقة التى قادت بها القيادة السياسية المصرية أزمة إقليمية ودولية والطريقة التى تقود بها القيادة نفسها أزمات مصر الداخلية واضحا ومقلقا أيضا. فبينما كان الجيش الإسرائيلى يشن غاراته على الأبرياء فى قطاع غزة كانت قوات الشرطة تشتبك مع المواطنين فى شارع محمد محمود وتطلق النيران على أحد المتظاهرين فترديه قتيلا، وهو مؤشر خطير يؤكد أن الفجوة بين القيادة السياسية والشعب المصرى تزداد اتساعا. وأظن أنه آن الأوان كى تدرك هذه القيادة أنه لن يكون بوسعها أن تحقق أى إنجاز حقيقى على أى صعيد ما لم تتمكن من بناء نظام قوى فى الداخل. وللأسف فإن الطريقة التى تدار بها شؤون السياسة فى الداخل لا تبدو مطمئنة على الإطلاق.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"