حسن نافعة
يدرك كل باحث مدقق أن دعم مصر للقضية الفلسطينية شكّل أحد أهم ثوابت السياسة الخارجية المصرية فى جميع المراحل التى عبرت فيها تلك السياسة عن مصالح مصر الوطنية. ولم يكن هذا الموقف تعبيرا عن نزعة إنسانية للوقوف إلى جانب شعب ضعيف تنتهك حقوقه من جانب قوة باطشة شريرة، رغم أهمية البعد الإنسانى لهذه القضية، أو عن نزعة دينية للوقوف مع شعب مسلم تنتهك هويته الدينية والحضارية باسم أساطير دينية تتحدث عن «أرض موعودة»، رغم أهمية بعدها الدينى، أو عن نزعة قومية للوقوف إلى جانب شعب عربى تغتصب أرضه لتبنى فوقها دولة يراد لها أن تشكل حاجزاً يفصل مشرق العالم العربى عن مغربه، رغم أهمية البعد القومى لهذه القضية، وإنما كان تعبيرا عن مصالح مصرية خالصة تمس أمن مصر الوطنى. فقد أدرك ساسة مصر الوطنيون، ومنذ بداية تجسد المشروع الصهيونى واقعا على الأرض، أن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية يشكل تهديدا خطيرا لأمن مصر الوطنى، خصوصا أنها ارتبطت عضوياً ودائماً بمصالح الغرب الاستعمارى، التقليدى منه والحديث، وأصبحت تحتكر وحدها الآن ملكية السلاح النووى فى المنطقة. ورغم إقدام السادات على توقيع «معاهدة سلام» مع إسرائيل عام 1979، إلا أن سلوك إسرائيل اللاحق زاد من قناعة شعب مصر بخطورة ما تمثله هذه الدولة التوسعية العنصرية على المصالح الوطنية. ومن الطبيعى فى سياق كهذا أن تتطابق المصالح الوطنية المصرية مع المصالح الوطنية الفلسطينية، وأن تسعى مصر على الدوام لتوحيد نضال الشعب الفلسطينى، من منطلق أنه يقف فى الخندق الأمامى فى مواجهة الخطر المشترك، لذا لم تلجأ مصر أبداً إلى لعبة «الفصائل الموالية»، ووقفت دائما مع الجهة التى تمثل الشرعية الفلسطينية وتعبر عن المطالب الوطنية للشعب الفلسطينى.
غير أن التطابق التام فى المصالح والأهداف الاستراتيجية لا يعنى بالضرورة تطابقاً دائماً فى السياسات وفى كل الأوقات، فقد تختلف هذه السياسات بين الحين والآخر لأسباب تكتيكية، مثلما حدث حين قبل عبدالناصر مبادرة روجرز عام 1970 ورفضها عرفات. ورغم وصول الخلاف بين الرجلين إلى حد إغلاق وسائل الإعلام الفلسطينية بالقاهرة، إلا أن الحرص على المصالح الوطنية الفلسطينية ظل واضحا حتى بعد رحيل عبدالناصر، ولم تبدأ الفجوة بين المصالح الوطنية المصرية والمصالح الوطنية الفلسطينية إلا بعد قيام السادات بزيارة القدس وقراره إبرام تسوية منفردة مع إسرائيل. ومع ذلك فقد ظل الحرص على احترام الخطوط الفاصلة بين مصالح الطرفين واحترام المصالح المتبادلة قائما، إلى أن حدث الانقسام العميق بين السلطة وحماس واستقلت الأخيرة بإدارة قطاع غزة.
لا يستطيع أحد أن يجادل فى حقيقة انحياز النظام المصرى السابق بالكامل إلى جانب السلطة الفلسطينية واتخاذه موقفاً معادياً لحماس، إلى درجة تأييده الضمنى لإسرائيل فى حربها على قطاع غزة نهاية عام 2008 وبداية 2009، على الرغم من ادعائه الحرص على تحقيق المصالحة بينهما. الآن انعكست الآية وأصبحت مصر الرسمية أكثر انحيازا لموقف حماس وأكثر تحفظا على مواقف السلطة الفلسطينية. ولأن الرئيس المصرى الحالى ينتمى سياسيا وأيديولوجيا إلى جماعة تقود تنظيماً عالمياً تعد حماس جزءاً منه وامتداداً له، فمن الطبيعى أن يثير ذلك إشكالية تتعلق بتحديد طبيعة العلاقة بين المصالح الوطنية المصرية والمصالح الوطنية الفلسطينية ونوعية الخطوط الفاصلة بينهما.
ومن الطبيعى أن تحاول قوى سياسية مصرية، من منطلق عدائها لجماعة الإخوان، استغلال هذا الوضع لتفسير الموقف المصرى الراهن من العدوان باعتباره موقفا إخوانيا يستجيب لمصالح التنظيم العالمى للجماعة بأكثر مما يعبر عن مصالح مصر الوطنية. ورغم تداخل وتشابك الخطوط إلا أننى أعتقد شخصيا أن الموقف الذى اتخذه الدكتور مرسى من العدوان الإسرائيلى الحالى على غزة أكثر انسجاما مع المصالح الوطنية المصرية من موقف النظام السابق إبان عدوان 2009.
ومع ذلك أعتقد أن على مصر أن تشرع على الفور فى الضغط بكل الوسائل من أجل تحقيق مصالحة فلسطينية شاملة، كما أعتقد أن على مصر إعادة النظر فى موقفها من عملية السلام ومن القضية الفلسطينية فى المرحلة المقبلة، ولكن بعد حوار وطنى شامل.