هل تفرض الأغلبية البرلمانية دستورها

هل تفرض الأغلبية البرلمانية دستورها؟

المغرب اليوم -

هل تفرض الأغلبية البرلمانية دستورها

حسن نافعة

يبدو أن حالة الاستقطاب السياسى الراهنة ستحول دون تمكين الجمعية التأسيسية من صياغة دستور يلبى طموحات مصر الثورة. فهناك، من ناحية، تيار سياسى يزعم أنه الممثل الشرعى الوحيد للإسلام، وينظر إلى كل من يخالفه الرأى باعتباره إما كافراً خرج عن الملة أو خائناً يعمل لحساب قوى معادية للإسلام والمسلمين. وهناك، من ناحية أخرى، تيار نقيض يزعم أنه الممثل الشرعى الوحيد للحداثة والتحضر، وينظر إلى كل من ينتمى إلى تيار الإسلام السياسى باعتباره إما جاهلاً أو متخلفاً. ورغم وجود تيار ثالث يدرك عمق الدور الذى يلعبه الدين فى تشكيل هوية المجتمعات وصياغة وجدان الشعوب، لكنه يرفض فى الوقت نفسه اختزال الدين فى لحية وجلباب وطقوس، إلا أنه لم يتمكن بعد من تشكيل قوة سياسية بديلة قادرة على انتشال مصر من كبوتها الراهنة، وهو الدرس الذى يتعين استخلاصه من صعود وانهيار «الجبهة الوطنية». كانت محاولات عديدة قد بُذلت لتجاوز حالة استقطاب سياسى واجتماعى راحت تتصاعد، منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011 إلى أن وصلت ذروتها عشية الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، قبل أن تسفر فى النهاية عن قيام «جبهة وطنية» شارك رئيس الجمهورية الحالى بنفسه فى تأسيسها. ثم جرت، عقب إعلان فوز الدكتور مرسى بالمقعد الرئاسى، اتصالات مكثفة مع مؤسسة الرئاسة ومع قوى سياسية عديدة لوضع أحد أهم البنود المتوافق عليها موضع التنفيذ بإدخال تحسينات على تشكيل الجمعية التأسيسية تمكّنها من صياغة دستور مقبول من الجميع. وفى سياق جهود تدرك حدود ما هو ممكن سياسيا وقانونيا تبلورت حزمة متكاملة من الأفكار تقوم على: 1- تصعيد مجموعة أسماء تخُتار قائمة الاحتياطى. 2- تشكيل لجنة خبراء تكلف بدور استشارى يدعم أداء الجمعية التأسيسية ويثرى نقاشاتها. 3- تشجيع الأعضاء المنسحبين من الجمعية التأسيسية على العودة. وهكذا طرحت الجبهة 25 اسما، اختارت منها أمانة الهيئة التأسيسية 10 أسماء، وعاد المنسحبون، وتم انتخاب أعضاء جدد من قائمة الاحتياطى. استغرقت الجهود الرامية لبلورة تلك الحزمة قرابة الشهرين، واستغرق وضع بنودها موضع التنفيذ أسبوعين إضافيين قبل أن تبدأ العجلة فى الدوران. ورغم إحساس عميق بأن تيار «الأغلبية» فى الجمعية التأسيسية لم يكن سعيدا ولا متحمسا لتنفيذ ما تم التوصل إليه بحسن نية، فإن ذلك لم يحبط من همم الآخرين الذين أتيحت لهم فرصة للمساهمة فى إنجاز دستور يليق بمصر، وأقبلوا على المهمة التى تنتظرهم بحماس وهمة وتجرد. استقر رأى أعضاء اللجنة الفنية على العمل معاً كمجموعة، بعد أن تبين أنه يراد لهم أن يعملوا كأفراد يُستشارون عند الحاجة. وتم الاتفاق، فى أول لقاء يجمعهم بالمستشار حسام الغريانى (2/10)، على تخصيص مكان تحت قبة مجلس الشورى لتكون اجتماعاتهم بالتوازى مع اجتماعات الجمعية التأسيسية، وأن يُمكّنوا من حضور اجتماعات ليكونوا على بينة من سير النقاش وللتعرف على مختلف الرؤى والاجتهادات، على أن تتاح لهم الفرصة فى الوقت المناسب لعرض ما يرونه من مقترحات أو تعديلات على الجمعية التأسيسية حين تجتمع بكامل هيئتها. وبدأت اجتماعات اللجنة تنتظم على الفور وتُعقد بواقع مرتين أو ثلاث أسبوعيا، ولمدة تراوحت بين أربع وست ساعات فى كل مرة، وجرت مداولات جادة بين أعضائها حول مسودة الباب الخامس التى سُلمت لها فى البداية، ثم حول مسودة الدستور ككل بعد ذلك، ولم تكن هناك أى مشكلة فى التوصل إلى توافق بعد حوارات ودية امتدت أحيانا لساعات طويلة. غير أن أعضاء المجموعة الاستشارية بدأوا يلاحظون تباعاً أمورا مقلقة، منها: 1- أن المسودة التى يعملون عليها تتغير بشكل مستمر دون بيان أسباب وخلفيات هذا التغير. 2- أن المسودات التى ظهرت لاحقاً خلت من أى أثر لجهدها، ولم تعكس أياً من التعديلات التى اقترحتها رغم تسليمها إلى أمانة الجمعية. 3- أن أمانة الجمعية قامت فى بداية نوفمبر بالإعلان عن جدول زمنى لبدء نقاش المسودة قبل أن تنتهى اللجنة الفنية من عملها ودون أن تظهر التعديلات التى اقترحتها فى المسودة المطروحة للنقاش على الجمعية التأسيسية بكامل هيئتها. 4- قيام الجمعية التأسيسية مؤخرا بتشكيل لجنة مصغرة لصياغة المشروع النهائى للدستور لم يُطلب من اللجنة الفنية الاستشارية أن تشارك فيها بأى صيغة أو تسهم فيها بأى دور. تعامل أعضاء المجموعة الاستشارية مع هذه التطورات السلبية بحكمة، فطلبوا مهلة زمنية للانتهاء من المهمة التى كُلفوا بها، هى ذات الأيام الخمسة التى تم الإعلان عنها لنقاشات الجمعية التأسيسية، على أن يتاح لهم عرض ما يرونه من تعديلات على الجمعية التأسيسية قبل التصويت النهائى. غير أنهم لاحظوا أن عملية إدخال تعديلات مجهولة المصدر لاتزال مستمرة، وأن الجمعية بدأت التصويت على المواد وإحالتها للجنة الصياغة. وهنا كان لابد من وقفة. فى لقاء مطول مع المستشار الغريانى، وهو رجل فاضل، عبّر أعضاء اللجنة بوضوح عن مشاعر إحباط كانت قد بدأت تسيطر عليهم بسبب إصرار الجمعية على تجاهل الجهد الكبير الذى بذلوه، وأفصحوا بصراحة عن رفضهم التام التعامل معهم كديكور، وأنهم لن يقبلوا بأن يقترن اسمهم بطرح مشروع دستور لم يشاركوا فى صياغته للاستفتاء. واقترح البعض، فى محاولة أخيرة لإنقاذ الموقف، أن تشارك المجموعة الاستشارية بمندوب أو اثنين فى أعمال لجنة الصياغة المصغرة، غير أن هذا العرض رُفض واستبدل به عرض آخر يشير إلى إمكانية الاستعانة بمندوب واحد يُستعان به «عند الحاجة»، وقد اعتبر مهيناً ورُفض. سأتوجه، حين أفرغ من كتابة هذه السطور، إلى مجلس الشورى لحضور اجتماع أخير للمجموعة الاستشارية يفترض أن يعقد أمس (السبت) فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا، لتحديد موقف نهائى من هذه القضية، وسألتزم، كما اعتدت دائما، بأى قرار جماعى. غير أن كل المؤشرات تؤكد أن مصر مقبلة على أزمة سياسية كبيرة. وأظن أنه لن يمر وقت طويل، ما لم يتم تدارك الأمر فورا، قبل أن يسمع دوى قصف الاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية المختلفة. وربما يغطى هذا القصف الإعلامى على دوى قصف إسرائيلى إجرامى على قطاع غزة، يذكّرنا بمدى عجز النخبة الحاكمة حاليا عن التعامل بحكمة مع تحديات الوطن الحقيقية. لكى أبرئ ذمتى أمام الله والوطن، أود، باعتبارى شاهدا على ما جرى، التأكيد على: 1- أن مشروع الدستور، بصيغته الراهنة، لم ينضج بعد رغم الجهد الكبير الذى بذل فى إعداده، ومن ثم مازال فى حاجة إلى مزيد من التنقيح قبل أن يصبح جاهزا لاستفتاء الشعب عليه. 2- أن اللجنة الفنية الاستشارية تعاملت مع ما طُلب منها بمهنية تامة دون أن تجعل من نفسها طرفا فى أى تجاذبات سياسية بين مختلف القوى السياسية، وأن الخلاف القائم حول مشروع الدستور ليس بين فريقين يريد أحدهما تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والآخر يرفضها، كما يحاول البعض أن يصور بسوء نية. 3- أن النظام السياسى الذى سينتج عن هذا المشروع لن يختلف فى جوهره كثيرا عن النظام السابق، حتى وإن قادته نخبة حاكمة أو أغلبية مختلفة. بوسع النخبة الحاكمة حاليا، حتى وإن تمتعت بأغلبية برلمانية مؤقتة، أن تطرح للاستفتاء مشروعها الخاص للدستور، لكن عليها أن تتحمل النتائج السياسية والقانونية والأخلاقية التى ستترتب على هذه الخطوة، وهى نتائج لن تكون فى صالح الوطن حاليا أو فى صالحها هى على المدى الطويل نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تفرض الأغلبية البرلمانية دستورها هل تفرض الأغلبية البرلمانية دستورها



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
المغرب اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib