حسن نافعة
9- السلطة القضائية
يعد استقلال السلطة القضائية إحدى أهم ركائز النظام الديمقراطى إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وقد أكدت مسودة الدستور هذا المعنى حين نصت فى أول مادة فى هذا الفصل على أن «السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها».
غير أن النص على استقلال السلطة القضائية فى الدستور يظل فارغا من أى مضمون ما لم يرتبط بتنظيم محكم للهيئات القضائية، يمكّنها من أداء وظائفها القضائية فى استقلال تام، ويضمن تحقيق عدالة ناجزة على أرض الواقع. وقد عكست المسودة المطروحة حاليا للنقاش عدداً من الإشكاليات المهمة، لم يتم العثور على حلول مرضية حولها، نختار منها ثلاثاً:
الإشكالية الأولى: تتعلق بتحديد الهيئات القضائية، فقد نصت المادة 175 من المسودة على أن «أعضاء القضاء العادى ومجلس الدولة والنيابة العامة والنيابة المدنية والنيابة الإدارية مستقلون، وغير قابلين للعزل..إلخ).
ولأنه لا يجوز، من وجهة نظر البعض، أن يتمتع بصفة «الهيئة القضائية» إلا الهيئات التى تمارس «القضاء الجالس»، وتتولى الفصل فى نزاعات مرفوعة أمام محاكم، وهو ما لا ينطبق على بعض الهيئات المذكورة فى المادة المشار إليها، فربما يكمن الحل الأمثل لهذه الإشكالية فى ترك أمر تحديد الهيئات القضائية للقانون ولا داعى لإقحامه فى الدستور.
لذا يقترح البعض استبدال نص المادة 175 بالنص التالى: «يرتب القانون جهات القضاء ويحدد اختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها، ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم ومساءلتهم».
الإشكالية الثانية: تتعلق بتشكيل المحكمة الدستورية العليا. ولأنها أكثر الهيئات القضائية احتكاكاً بالعملية السياسية، وبالتالى تأثراً بها وتأثيراً فيها، فمن الطبيعى أن يثير تشكيلها خلافات سياسية حادة، خصوصا أن تشكيلها الحالى أثار من قبل ومازال تحفظات عديدة بسبب عمليات تلاعب قام بها النظام السابق لانتقاء رؤسائها بطريقة أساءت إلى سمعة المحكمة.
وكانت مسودات سابقة قد اقترحت تضمين الدستور نصا يحدد كيفية تشكيل المحكمة، غير أن مسودة 24/10 فضلت ترك هذا الأمر للقانون واكتفت بالنص فى المادة 183 على أن يكون «تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا ممن يرشحون وفقا للقانون بقرار من رئيس الجمهورية». ومع ذلك يعتقد البعض أن من الأفضل تضمين الدستور نصا واضحا يحدد طريقة هذا التشكيل، ومن ثم يقترح استبدال النص الحالى للمادة 183 بالنص التالى:
«رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهيئة المفوضين، غير قابلين للعزل، ويبين القانون عدد أعضاء المحكمة بما لا يتجاوز خمسة عشر عضوا، يكون تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اختيار الجمعيات العمومية لمحكمة النقض ومجلس الدولة ومحاكم الاستئناف، بواقع ثلاثة أعضاء لكل منها، وستة أعضاء تختارهم الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا. ويبين القانون الشروط الواجب توافرها فى أعضاء المحكمة وحقوقهم وحصاناتهم ومساءلتهم تأديبياً أمام هذه المحكمة».
الإشكالية الثالثة: تتعلق بالرقابة السابقة على دستورية القوانين. فقد ألزمت المادة 184 من المسودة رئيس الجمهورية أو مجلس النواب «بعرض مشروعات القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور»، غير أن بعض كبار فقهاء القانون الدستورى فى مصر يرون أن الرقابة السابقة على دستورية القوانين تنطوى على عيوب عديدة يحسن تجنبها، وبافتراض أن اللجوء إليها قد يكون له ما يبرره فى بعض الدول الأخرى، إلا أنه يشكل فى السياق السياسى المصرى الراهن منزلقا خطرا يتعين العمل على تجنبه بكل الوسائل، ومن ثم يقترح حذف هذه المادة والاكتفاء بالرقابة اللاحقة بالنسبة لجميع القوانين.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"