حسن نافعة
7 ـ رئيس الدولة
من أهم سمات النظام المختلط (أو البرلماسى) وجود رأسين على قمة هرم السلطة التنفيذية، فهناك رئيس الدولة، من ناحية، ورئيس الحكومة، من ناحية أخرى، وكلاهما يتمتع بسلطات حقيقية. ولأن رئيس الدولة فى أى نظام مختلط ينتخب بالاقتراع السرى المباشر، فمن الطبيعى أن ترجح كفته فى مواجهة رئيس الحكومة أو الفرع الآخر للسلطة التنفيذية، لكنه ليس مطلق السلطات.
فدوره فى صنع وتنفيذ السياسات يقتصر فى الواقع على مجالى السياسات الخارجية والأمن الوطنى أما بقية المجالات فتترك لرئيس الحكومة. ولأن هذا الأخير هو وحده الذى يخضع للمساءلة أمام البرلمان الذى يملك حق سحب الثقة منه، فإنه يتعين على رئيس الدولة أن يختاره من الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد فى البرلمان.
ويلاحظ أن مسودة الدستور المصرى لم تراع فى الواقع مثل هذه التوازنات الدقيقة. فقد أطلقت سلطة رئيس الدولة ورجحت كفته ليس فقط فى مواجهة رئيس الحكومة، وإنما أيضا فى مواجهة السلطة التشريعية نفسها، بل منحته بعض الصلاحيات التى تسمح له بالتدخل، حتى وإن كان محدوداً فى شؤون السلطة القضائية.
ففى مواجهة الحكومة يلاحظ أن رئيس الجمهورية هو المسؤول الفعلى عن وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها (وهى سلطة لن ينتقص منها كثيراً ما تقضى به المادة 145 من وجوب إشراك الحكومة)، وهو الذى يسمى رئيس الوزراء (دون أن يكون ملزماً باختياره من الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية)، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعين الموظفين المدنيين والعسكريين وكذلك الممثلون الدبلوماسيون ويعزلهم، ويملك حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها، وهو الذى يدعو الناخبين للاستفتاء،
ويعلن حالة الطوارئ (بعد موافقة الحكومة).. إلخ. وفى مواجهة السلطة التشريعية، يلاحظ أن مسودة الدستور تمنح رئيس الدولة الحق فى حل مجلس النواب، خصوصاً فى حال إصرار هذا الأخير على عدم منح ثقته لرئيس الحكومة الذى يختاره (المادة 144)، كما يملك تعيين عشرة أعضاء فى كل من مجلسى النواب والشيوخ.
أما فى مواجهة السلطة القضائية فيلاحظ أن رئيس الدولة هو الذى يعين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا (رغم أن جهات أخرى هى التى ترشحهم حسب نص المادة 183 من المسودة) ويصدر قرار تعيين رؤساء الهيئات القضائية (رغم أنهم يختارون إما بواسطة الجمعيات العامة لهيئاتهم القضائية أو بواسطة المجلس الأعلى للقضاء كما هو الحال بالنسبة للنائب العام). ورغم تمتع رئيس الجمهورية فى النظام السياسى المصرى بمثل هذه السلطات والصلاحيات الضخمة، فإنه لا يخضع، وفقا لنصوص المسودة المطروحة للنقاش العام، لأى نوع من المساءلة أو المحاسبة السياسية.
أما خضوعه للمحاسبة القانونية فلا يكون إلا فى حالة واحدة فقط وهى ارتكابه جرائم أثناء تأديته أعمال منصبه أو بسببه (المادة 172). ويلاحظ هنا أن توجيه الاتهام لرئيس الدولة بسبب ارتكابه جريمة هو قرار سياسى محض لأن قرار الاتهام يتعين أن يصدر فى هذه الحالة بأغلبية ثلثى أعضاء مجلس النواب. كما يلاحظ أن رئيس الدولة لا يعزل إلا بعد إدانته من جانب محكمة خاصة، ويكتفى بإيقافه عن ممارسة مهام منصبه إلى أن يتم الفصل فى قرار اتهامه.
فى سياق كهذا يبدو لنا النظام السياسى المصرى، كما تعكسه مسودة 24/10، أقرب إلى النظام الرئاسى منه للنظام البرلمانى، ويصعب من ثم وصفه بالنظام المختلط أو البرلماسى، وبالتالى ينطوى على خلل فى التوازن بين السلطات يتعين إصلاحه. ولتصحيح هذا الخلل نقترح:
1- قصر السلطات التنفيذية لرئيس الدولة على النواحى المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن القومى.
2- إحالة بقية السلطات التنفيذية إلى رئيس الحكومة القابل للمحاسبة أمام البرلمان وسحب الثقة منه.
3- تقييد سلطته إلى أدنى حد ممكن حين يتعلق الأمر بتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية والحيلولة دون ممارسته أى تأثير على السلطة القضائية.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"