حسن نافعة
تحتوى مسودة الدستور الصادرة بتاريخ 14/10/2012 على 231 مادة موزعة على خمسة أبواب. الباب الأول جاء تحت عنوان «الدولة والمجتمع»، ويحتوى على 27 مادة، والباب الثانى جاء تحت عنوان «الحقوق والحريات والواجبات العامة»، ويحتوى على 52 مادة، والباب الثالث جاء تحت عنوان «السلطات العامة»، ويحتوى على 122 مادة، والباب الرابع جاء تحت عنوان «الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة» ويحتوى على 16 مادة، والباب الخامس والأخير جاء تحت عنوان «أحكام ختامية وانتقالية»، ويحتوى على 14 مادة. وتوجد فروق طفيفة بين هذه المسودة ومسودات أخرى صدرت، كان آخرها بتاريخ 24/10، بعضها مهم. ولأن مسودات جديدة قد تصدر، فسوف نعتمد فى ملاحظاتنا هنا على المسودة الأولى، ما لم تكن هناك حاجة للإشارة إلى ما تضمنته مسودات أخرى من تعديلات لها دلالة.
وهناك ملاحظتان على الشكل العام للدستور المصرى المقترح، كما عكسته تلك المسودة، الأولى: تتعلق بحجمه، أما الثانية: فتتعلق بالتوازن بين أبوابه وفصوله المختلفة. فمن حيث الحجم، يلاحظ أن الدستور المصرى المقترح سلك طريقا وسطا بين نهج الدساتير المطولة التى تنحو أحيانا نحو معالجة أدق التفاصيل وبين الدساتير التى تتجنب الغوص فى التفاصيل والاقتصار على المبادئ والقواعد العامة. أما من حيث التوازن بين أجزائه المختلفة فيلاحظ أن عدد مواد الباب الثالث وحده، الذى يتناول السلطات العامة، أكبر من عدد المواد التى تتضمنها الأبواب الأربعة الأخرى مجتمعة. وقد يرى البعض فى هذا المنحى أمراً طبيعياً، بالنظر إلى أن تنظيم العلاقة بين السلطات هو جوهر الدستور، بينما قد يرى البعض الآخر أنه منحى ينطوى على خلل معيب. والعبرة، فى تقديرى، ليست بطول الدستور أو قصره، ولا بعدد أبوابه وفصوله وما قد يكون بينها من توازن شكلى، وإنما العبرة بدقة الصياغة وبدرجة الإحكام والتناسق بين الحقوق والواجبات والتوازن والرقابة المتبادلة بين السلطات، وعدم وجود تعارض بين المواد والأحكام أو قابلية النصوص لتأويلات متباينة أو متناقضة..إلخ.
أما من حيث المضمون، والذى سنتناوله تباعا فى الأيام التالية بقدر أكبر من التفصيل، فلنا عليه عدد من الملاحظات العامة نوجزها فيما يلى:
افتقار النص بشكل عام إلى الدقة والإحكام. فرغم تحسن ملحوظ فى الصياغة شهدته مسودات لاحقة إلا أن العديد من النصوص مازال بحاجة إلى إعادة صياغة، لتجنب التكرار، واللبس فى المعانى، ولإضفاء المزيد من الوضوح والتحديد، والابتعاد قدر الإمكان عن العبارات الإنشائية والخطابية التى ما زال يعج بها النص دونما ضرورة.
غياب الإحساس العام بإلحاح قضية العدالة الاجتماعية وبالحاجة الماسة لحماية الطبقات المهمشة. فالنص الحالى يعكس حرصاً مبالغاً فيه على حماية الملكية الخاصة، بصرف النظر عن مدى مشروعيتها، ويوحى بأن النخبة لم تتمكن بعد من الاستفادة الكاملة من دروس المرحلة السابقة.
الزج بمصطلحات فضفاضة، من قبيل «الأخلاق العامة» أو «التقاليد الاجتماعية» وغيرهما، وهى مصطلحات قد تنطوى على تفسيرات متباينة، وبالتالى قابلة لإثارة خلافات أكثر بكثير من قدرتها على حسم مشكلات.
تأثر بنية نظام الحكم، كما يعكسه النص الحالى للدستور، ببعض مصالح «فئوية»، ربما بسبب التركيبة الخاصة للجمعية التأسيسية. وعلى سبيل المثال فإن إعادة استنساخ «مجلس الشورى» تحت مسمى «مجلس الشيوخ» فى الدستور الجديد لم تكن مدفوعة بالحرص على المصالح الوطنية العامة بقدر ما كانت مدفوعة بالحرص على مصالح خاصة.
لا يحتوى الدستور الحالى على ما يكفى من الآليات للحيلولة دون إعادة إنتاج نظام «الفرعون»، وبالتالى قد لا يكون ديمقراطيا بما فيه الكفاية.
وإلى التفاصيل فى الأيام التالية إن شاء الله.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"