حسن نافعة
كثيراً ما تنقل الصحف والمواقع الإلكترونية تصريحات، على لسانى وعلى لسان غيرى، كثيراً ما تكون غير دقيقة، بل محرفة عمداً فى بعض الأحيان. غير أننى نادرا ما أرد، تصحيحا أو تفنيداً، لأننى لو شغلت نفسى بهذا الأمر فربما لا أجد الوقت الكافى للالتفات إلى ما أعتبره أهم وأجدى، ومع ذلك يواجه المرء أحياناً بمواقف يصعب السكوت عنها وتركها تمر دون وقفة.
وعلى سبيل المثال، فقد تلقيت منذ فترة رسالة نصية من شخص أثق فى حسن تقديره للأمور، يعاتبنى على رأى منسوب إلىَّ روجته مواقع إلكترونية عديدة. وحين سارعت لتقصى الأمر على شبكة الإنترنت اكتشفت أن هذه المواقع كتبت تحت عناوين بارزة ما يفيد بأننى أطالب بتولى المشير طنطاوى رئاسة الجمهورية، واستندت إلى مقال لى نشر فى صحيفة «المصرى اليوم» تضمن أفكاراً كانت تطالب فى الواقع بعكس ما نشر تماماً، أى باستقالة المشير ونقل السلطة إلى رئيس مدنى مؤقت «رئيس مجلس القضاء الأعلى»، إلى أن يتم انتخاب رئيس. وتبين لى، حين رحت أطابق بين ما كتبت وبين النص المنشور، أن هناك كلمة سقطت سهواً ربما تكون قد أحدثت لبساً وغيرت المعنى المقصود. ولأن سوء النية بدا لى واضحاً تماماً فى هذه القصة، فقد وجدت نفسى مضطراً لكتابة ثلاثة أعمدة متتالية حول الموضوع، لإعادة شرح الأفكار التى تضمنها المقال. الغريب أن نفس المواقع الإلكترونية ظلت رغم ذلك تحمل نفس العناوين المضللة حتى يومنا هذا، ولم تنشر أى تصحيح لما نشر، رغم مرور أكثر من عام على الحادث وعلى التوضيح!
وها هو الأمر يتكرر من جديد، ولكن بصورة أكثر فجاجة وقبحا. فمنذ أيام، وبينما كنت أبحث على شبكة الإنترنت عن موضوعات تخصنى، فوجئت بعدد من المواقع الخبرية، منها موقع اسمه «مصرى my Egypt»، تنشر ما نصه:
وجه الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، رسالة إلى من أطلق عليهم (شيوخ أمن الدولة)، وإلى الشيخ محمد حسان ورفاقه، منتقداً تصرفات الشيوخ وأقوالهم، لافتاً إلى أن الشيخ محمد حسان طالب المسلمين بالزهد فى الدنيا وترك الملذات، بينما وجدناه لديه سيارة فاخرة، وفيلا فخمة تقدر بعشرات الملايين.
وانتقد نافعة الشيخ أبوإسحاق الحوينى- عبر تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك- حيث إنه طالب الناس بعدم السفر لبلاد الكفر، ولكنه عندما اشتد مرض السكر عنده سافر ألمانيا للعلاج. وتابع قائلاً: إن الشيخ على ونيس طالب المجتمع بحسن الأخلاق، ولكننا وجدنا فتاة فى حضنه على الطريق العام.. وأضاف نافعة أن الشيخ حازم أبوإسماعيل وصف بلاد الغرب بالكفر، بينما وجدنا أخته وأمه تحملان جنسية أمريكية، كما أن صبحى صالح قال: إن الإخوانى لا يجوز أن يتزوج إلا فتاة إخوانية، ووجدنا ابنه يتزوج من فتاة ليست محجبة أساساً. ونوه بأن البلكيمى كان يحذر السلفيين من الكذب وعمليات التجميل ووجدناه فى يوم واحد يقوم بعملية تجميل ويكذب فى نفس الوقت..وأشار نافعة إلى قول ياسر برهامى: إن التظاهر محرم فى الإسلام والخروج على مبارك، ولى الأمر، حرام، ولكن عندما خرجت مظاهرة سلفية كان أول من نزل فيها وكان أول من اجتمع مع أحمد شفيق قبل إعلان نتيجة الانتخابات، وأكد نافعة أنه بعد كل هذه الأفعال والأقاويل يبقى الليبراليون هم الكفار الذين يشوهون صورة الإسلام».
يدرك كل من يتابع كتاباتى أن هذا ليس أسلوبى فى الكتابة أو منهجى فى تناول القضايا. لذا أود أن أؤكد هنا أن الرسالة المشار إليها مفبركة ومختلقة من أساسها. الأغرب من ذلك أنه لم يسبق لى مطلقا أن ذكرت الشيخ محمد حسان أو الشيخ إسحاق الحوينى أو الشيخ ياسر برهامى بالاسم فى أى مقال لى من قبل، لا مدحاً ولا قدحا، بل ليست لدى معرفة بأى من المعلومات الواردة فى هذا الخبر الملفق. لا أقول هذا الكلام خوفاً من أحد ولكن حرصاً على ضرورة توخى الدقة، ولا أعرف من هو مصدر هذه الرسالة الملفقة، ولماذا تم اختيارى بالذات لتوجيهها إلى هؤلاء المشايخ بالذات عبر كل هذه المواقع الإلكترونية؟!
أعتذر لقرائى إن كنت قد شغلتهم اليوم بموضوع قد يبدو فى ظاهره شخصيا، لكنه يطرح فى الوقت نفسه قضية عامة تتعلق بحرية الصحافة والإعلام، التى يجب أن تكون شيئاً آخر غير حرية الكذب والتلفيق.
فلصالح مَن هذا الافتراء؟ وكيف يمكن لمجتمعنا فى لحظة تحول خطيرة، نحتاج فيها أكثر ما نحتاج إلى الشفافية والصدق مع النفس، أن يواجه آفة التدليس والتزييف وتعمد تشويه الحقائق والأشخاص؟ ومن يحمينى من هؤلاء المزورين؟
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"