حسن نافعة
أتمنى أن ينجح الأخضر الإبراهيمى فى مسعاه للتوصل إلى هدنة بين الأطراف المتصارعة فى سوريا لوقف أنهار الدم التى تسيل هناك، على الأقل خلال أيام عيد الأضحى المبارك، الذى نسأل الله أن يعيده على الشعب السورى وعلى الشعوب العربية والإسلامية وهى فى حال أفضل مما هى عليه الآن. كما أتمنى أن تمتد هدنة العيد وقتا أطول يكفى لتمكين الأخضر الإبراهيمى من إقناع جميع أطراف الأزمة - المحليين والإقليميين والدوليين - بالدخول فى مفاوضات مباشرة حول ترتيبات مرحلة انتقالية تتيح للشعب السورى أن يقول كلمته النهائية حول شكل النظام الذى يريده والذى يتعين أن يحل محل النظام الحالى، الذى لا يمكن لأحد فى العالم أن يتصور - عقلا - إمكانية بقائه واستمراره فى السلطة.
غير أن تمسك العديد من الأطراف بالموقف القائل باستحالة الدخول فى مفاوضات للبحث عن تسوية للأزمة قبل رحيل بشار الأسد لن يؤدى عمليا إلا إلى: 1- تدمير الدولة السورية كثمن لرحيل بشار. 2- المراهنة على حرب إقليمية واسعة النطاق كوسيلة لوضع حد نهائى للأزمة الراهنة.
لا أعتقد أن بشار الأسد سيتنازل عن السلطة طواعية، أو حتى مضطرا، لسببين أساسيين:
السبب الأول: أنه مازال مدعوما بقطاع لا يستهان به من الشعب السورى. ولأنه يفضل حكم بشار القمعى على حكم جماعات مرشحة لتولى السلطة يعتقد أنها لن تكون أقل استبدادا أو فسادا من حكم بشار، يفضل هذا القطاع أن يحكم بواسطة نظام قديم يعرف حدوده على نظام جديد لا يعرف سقفه.. السبب الثانى: أنه مازال مدعوما بقوى إقليمية ودولية ترى فى انهيار نظامه خطرا جسيما، ليس فقط على توازنات القوى فى المنطقة وإنما أيضا على توازنات القوى فى النظام الدولى ككل.
من المؤكد أن نظام بشار أصبح عاجزا عن حسم الأزمة لصالحه بالوسائل العسكرية، وذلك لسبب بسيط هو أنه لم يدرك بعد أنه يواجه ثورة شعبية حقيقية بسبب تلكئه فى القيام بالإصلاحات السياسية المطلوبة بإلحاح فى التوقيت المناسب. وليس من المحتمل أن تتمكن القوى المناهضة للنظام فى حسم الأزمة عسكريا لصالحها، لأن قوى إقليمية ودولية لا علاقة لها بالثورة ولا يعنيها سوى تصفية حسابات قديمة مع النظام دخلت على الخط، مما أفقد الثورة السورية جانبا من ماهيتها الوطنية وحولها إلى صراع إقليمى ودولى بامتياز.
فى سياق كهذا، يبدو واضحا أن الأخضر الإبراهيمى كان محقا تماما حين حذر من احتمال امتداد الصراع المسلح فى سوريا إلى دول الجوار. ولأنه ليس من المستبعد إطلاقا أن يكون سقوط وسام الحسن، أحد قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، فى منطقة الاشرفية بـ«بيروت»، بفعل عمل إرهابى مخطط، خطوة أولى على هذا الطريق، يتعين على كل الأطراف أن تنتبه وأن تشعر بالقلق. فالتصرف من واقع الإحساس بالمسؤولية الوطنية يجب أن يكون مطلبا موجها، ليس فقط إلى النظام، وإنما إلى قوى المعارضة أيضا. ولا يخالجنى أى شك فى أن الاعتقاد بقدرة أى منهما على حسم الصراع عسكريا لصالحه هو نوع من الوهم أو الغرور القاتل الذى لن يؤدى، عمليا، إلا إلى تدمير سوريا، والمساعدة فى الوقت نفسه على إشعال عدة حروب أهلية فى المنطقة، قد تفضى إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.
لذا أظن أنه لم يعد هناك من خيار عقلانى آخر سوى الدخول فى مفاوضات مباشرة للتوصل إلى اتفاق على كيفية إدارة مرحلة انتقالية تقود سوريا خلالها حكومة مؤقتة تعمل فى ظل قوات حفظ سلام عربية ودولية قادرة على تحييد الجيش السورى والسيطرة على «الشبيحة»، وطرد المقاتلين غير السوريين، الذين تمكنوا من التسلل عبر الحدود ووقف أى إمدادات بالسلاح لكل الأطراف المتقاتلة، إلى أن يتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مباشرة.
أدرك أن طرح المقترحات مسألة سهلة، لكن وضعها موضع التطبيق على الأرض مسألة بالغة الصعوبة. نسأل الله أن يعين الشعب السورى فى التغلب على محنته، وأن يعين الأخضر الإبراهيمى على أداء مهمة لاتزال تبدو شبه مستحيلة.
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم"