حسن نافعة
من المقرر أن تعقد المحكمة الإدارية اليوم جلسة جديدة للنظر فى الدعاوى المرفوعة أمامها لحل الجمعية التأسيسية. ومن المتوقع أن تصدر حكماً لن يخرج، على الأرجح، عن واحد من احتمالات ثلاثة. الأول: تأجيل القضية، مما يعنى منح الجمعية التأسيسية مهلة إضافية قد تتمكن خلالها من الانتهاء من صياغة مشروع الدستور الذى سيطرح للاستفتاء العام. والثانى: رفض الدعاوى المرفوعة، مما يعنى بقاء واستمرار عمل الجمعية، بتشكيلها الحالى، وبالتالى إتاحة الفرصة كاملة أمامها للانتهاء من مهمتها. والثالث: الحكم لصالح المدعين وحل الجمعية، مما يعنى وصول الكرة إلى ملعب رئيس الدولة الذى سيتعين عليه فى هذه الحالة إعادة تشكيلها وفق أسس جديدة نأمل أن تحول دون تعرضها للحل مرة ثالثة. وأياً كان الحكم الذى ستصدره المحكمة الإدارية اليوم، والذى يتعين احترامه فى جميع الأحوال، يلاحظ أن النهج المستخدم فى تسيير أعمال الجمعية لا يوحى حتى الآن بالاطمئنان إلى قدرتها على إنجاز دستور يليق بمصر وبثورتها العظيمة، رغم محاولات مستميتة للإيحاء بعكس ذلك.
فقد دعت الجمعية التأسيسية إلى مؤتمر صحفى، عقد بعد ظهر يوم الأربعاء الماضى وحظى بتغطية إعلامية واسعة، لإطلاق «المسودة الأولية» لمشروع الدستور وطرحها للنقاش العام. وعندما اطلعت على هذه «المسودة» تبين لى أن عددا كبيرا من موادها كتبت تحتها عبارات من قبيل: «قيد الدراسة» أو «حذفت» أو «نقلت أحكامها لمواد أخرى»، وأنها مجرد تجميع لأبواب لأجزاء منفصلة يحمل كل منها أرقاما مسلسلة خاصة بها. لذا بدا واضحا أن هناك عجلة مقصودة فى طرح هذه المسودة للإيحاء بأن الجمعية على وشك أن تنتهى من مهمتها، وبنجاح تام، وهو إيحاء أقل ما يقال فيه أنه خادع ومضلل.
خطر لى قبل أن أشرع فى كتابة هذه الزاوية أن أعود مرة أخرى إلى الموقع الرسمى للجمعية على الشبكة المعلوماتية فوجدت أنه يحتوى لأول مرة على نص متكامل يحمل تاريخ الأحد 14 أكتوبر، أى بعد المؤتمر الصحفى بأربعة أيام، وتتصدره ثلاث ملاحظات تقول: 1- هذه المسودة أولية ولم يراع فيها الترتيب أو التنسيق بشكل نهائى. 2- المسودة مطروحة للنقاش داخل الجمعية وللحوار المجتمعى خارجها. 3- لم يتم الانتهاء من وضع الأحكام العامة والديباجة. ورغم شعورى بالارتياح لوجود نص أكثر اكتمالا إلا أن الشعور بالقلق لم يفارقنى بل تزايد كثيرا. فكيف يمكن للنقاش حول مسودة الدستور أن يسير بالتوازى داخل وخارج الجمعية فى نفس الوقت؟
أظنه أنه كان من الأجدى الانتظار حتى تفرغ الجمعية تماما من مناقشة المسودة الأولية، قبل طرحها للنقاش العام خلال فترة محددة لا تتجاوز أسبوعين، بشرط وجود آليات محددة وواضحة تسمح بتصفية نتائج هذا النقاش وترجمته إلى تعديلات مقترحة تعرض على الجمعية بدورها عندما تقوم لاحقا بمناقشة المسودة فى قراءة ثانية كى تكون حصيلة النقاش العام تحت نظرها قبل إقرار النص النهائى. غير أن الأخطر من ذلك أننى وجدت فى المسودة المطروحة للنقاش العام نصوصا لا أعتقد أنها أقرت، سواء داخل اللجان المختصة أو داخل الجمعية التأسيسية بكامل تشكيلها، وما زال الجدل محتدما حولها. من هذه النصوص، على سبيل المثال وليس الحصر، نص المادة 221 الذى ورد فى باب خامس تحت عنوان «أحكام ختامية وانتقالية».
يقول النص: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة». وليس لدى أدنى شك فى أن البعض ما زال يرى أن هذا النص، الذى يقدم فى الواقع تفسيرا لما ورد فى المادة الثانية متعلقا بمبادئ الشريعة الإسلامية، يخالف التفسير الذى استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا ويثير إشكاليات معقدة يصعب معها تصور أن يكون قد نوقش وأقر فى الجمعية. والسؤال: من أين أتى هذا النص؟ ومن أدرجه ضمن المسودة الأولية؟ هل هو مجرد اقتراح من تيار معين أم أنه نص يلقى قبولا عاما وتم الاتفاق على إدراجه فى هذه المسودة؟
تحتاج الجمعية التأسيسية، فى تقديرى، إن قدر لها أن تستمر فى أداء عملها، إلى ضبط النواحى الإجرائية ضبطا محكما وتحديد آليات واضحة لصياغة وإقرار المواد المختلفة يمكن من خلالها التعرف بدقة على النصوص التى تم إقرارها كى يمكن تنحيتها جانبا وعدم العودة لمناقشتها مرة أخرى، مع تركيز النقاش على النصوص التى لاتزال موضع خلاف. ولأن النواحى الإجرائية لاتزال حتى هذه اللحظة مرتبكة تماما وغير منضبطة، أستطيع أن أقول بثقة ودون أى نوع من التعسف إن الطريق نحو إقرار دستور توافقى ما زال بعيدا جدا بل الأرجح ألا تستطيع اللجنة التأسيسية بتشكيلها الحالى أن تنجزه.