فهمي هويدي
لأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن الصراعات الحاصلة فى منطقتنا أنعشت صناعة السلاح فى الولايات المتحدة، وجعلت أباطرة تلك الصناعة يتوقعون مستقبلا زاهرا لبضاعتهم خلال السنوات القادمة. وهم لا يخفون سعادتهم سواء بالصراع الذى يلوح فى الأفق بين السنة والشيعة، أو بصراعات أهل السنة فيما بينهم. حيث يتوقعون أن تستمر المناكفات مع إيران من ناحية، كما يرون ان الحرب ضد تنظيم داعش أو الجماعات الإرهابية لن تحسم خلال السنوات القليلة القادمة.
مظاهر وخلفيات تلك الفرحة التى ترددت أصداؤها فى البنتاجون (وزارة الدفاع) وفى دوائر الكونجرس، سجلها تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام (فى ١٨/٤) أعده اثنان من محرريها هما: مارك مازيتى وهيلين كوبر.
من الملاحظات المهمة التى سجلها التقرير ان مبيعات السلاح الأمريكية للدول العربية كانت فى السابق محكومة بسقف معين، يراد به فى نهاية المطاف ان يظل التفوق الإسرائيلى قائما طول الوقت. وكان مفهوما ان ذلك القيد أريد به ألا يسمح للدول العربية ان تتفوق على إسرائيل فى قدراتها العسكرية تحت أى ظرف. إلا أن الأمر اختلف هذه المرة، بعدما بدا ان الدول العربية ــ أغلبها على الأقل ــ أصبحت معنية بالاحتشاد ضد إيران، ولم تعد تعتبر إسرائيل الخطر الأكبر الذى يهددها. لذلك فإن الإدارة الأمريكية تساهلت فى شرط ضمان التفوق الإسرائيلى، ولم تحدد سقفا لمبيعات السلاح للدول العربية، نظرا لاطمئنانها إلى أنه لن يوجه ضد إسرائيل، وانما سيستخدم فى الصراع ضد إيران أو فى الصراعات الداخلية أو ضد الجماعات الإرهابية المحلية.
تحدث التقرير عن استخدام السعوديينحاليا فى اليمن للطائرات المقاتلة اف ١٥ التى تنتجها شركة «بوينج»، وان الطيارين الإماراتيين يقودون طائرات اف ١٦ التى تنتجها شركة «لوكهيد»، وهذه تستخدم فى اليمن وضد تنظيم داعش فى سوريا. كما ان الإمارات بصدد التعاقد مع صفقة طائرات «درون» التى تطير بدون طيار، لكى تقوم بمهمات تجسس فى محيطها. ونوه إلى أن مسئولى صناعة السلاح أبلغوا الكونجرس باعتزامهم عقد صفقة كبيرة تضم آلاف الصواريخ مع دول التحالف المشاركة فى حرب اليمن وهى: السعودية والإمارات والبحرين والأردن ومصر.
من المعلومات الأخرى المهمة التى تضمنها التقرير ما يلى:
• إن المملكة العربية السعودية انفقت على التسليح فى العام الماضى ٨٠ بليون دولار، وهو رقم كبير لم تبلغه من قبل، كما أنه يتجاوز انفاق كل من فرنسا وبريطانيا على التسليح، ويجعل من المملكة رابع أكبر دولة مشترية للسلاح فى العالم، حسب تقرير مركز استوكهولم الدولى للسلام.
• دولة الإمارات انفقت على التسليح فى العام ذاته (٢٠١٤) ٢٣ بليون دولار تقريبا، وهو رقم يعادل ثلاثة أضعاف انفاقها فى عام ٢٠٠٦.
• قطر شاركت فى سباق التسلح الذى تشهده منطقة الخليج، فقد عقدت صفقة مع البنتاجون بقيمة ١١ مليار دولار لشراء صفقة طائرات «آباتشى» ومعدات دفاعية أخرى. وهى بصدد التفاوض مع شركة بوينج لعقد صفقة طائرات اف ١٥، لكى تحل محل طائرات ميراج التى تستخدمها فى الوقت الراهن. ومعلومات البنتاجون تشير إلى أن أمير قطر سيحضر معه قائمة بمشتريات أخرى للسلاح، حين يلتقى الرئيس الأمريكى فى الشهر القادم. وبسبب اتجاه قطر إلى تعزيز قدراتها العسكرية، فإن شركة بوينج فتحت مكتبا لها فى الدوحة فى العام الماضى، كما ان شركة لوكهيد خصصت قسما خاصا لمباشرة مبيعاتها الخارجية من السلاح، بعد تزايد الطلب عليها من جانب الدول الخليجية عاما بعد عام.
• نظرا لاحتمال استمرار حروب المنطقة لعدة سنوات وإقبال دولها على تحديث قدراتها العسكرية فإن التنافس القادم سيكون على شراء الطائرة المقاتلة «اف ٣٥»، التى تعد دُرة صناعة السلاح الأمريكية. لأنه يصعب رصدها من جانب الرادارات ــ وكان قد سبق تسويقها للدول الأوروبية والآسيوية الحليفة للولايات المتحدة. لكنها لم تسوق فى العالم العربى بسبب القلق من احتمالات استخدامها ضد إسرائيل. وهو قلق لم يعد واردا فى الوقت الراهن للأسباب التى سبق ذكرها. وأغلب الظن أن الإقبال على الطائرة الجديدة سيتزايد بعدما قررت روسيا تزويد إيران ببعض أسلحتها المتقدمة، وهى خطوة يفترض ان تدفع الدول العربية إلى محاولة الحصول على أسلحة أكثر تقدما.
جميعهم يتابعون جولات الصراع العربى بمشاعر يختلط فيها الارتياح مع البهجة، فى عواصم الغرب وواشنطن فى مقدمتها وفى إسرائيل بطبيعة الحال. ذلك أن الاقتتال فى بلادنا يترجم عندهم إلى أرباح بالمليارات وانتعاش اقتصادى هم أحوج ما يكونون إليه، كما انه يترجم فى إسرائيل إلى المزيد من الاسترخاء الاستراتيجى الذى لم تنعم به إسرائيل منذ انشائها. أما السؤال الذى يظل معلقا فى الفضاء طول الوقت وكاشفا لعبثية المشهد فهو: ماذا يكون حال العالم العربى لو أن هذه المليارات انفقت لتنمية العالم العربى وليس لانتحاره؟