مفاجآت المشاركة فى حرب اليمن

مفاجآت المشاركة فى حرب اليمن

المغرب اليوم -

مفاجآت المشاركة فى حرب اليمن

فهمي هويدي



يحتاج المرء إلى «فهامة» لكى يستوعب الموقف المصرى من الحرب الدائرة فى اليمن. ذلك أن رئاسة الجمهورية كانت قد أعلنت فى ٢٦ مارس الماضى عن مشاركة مصر بقوات جوية وبحرية فى الحرب، بعد استيفاء الإجراءات الدستورية اللازمة فى هذه الحالة. وبالرجوع إلى الدستور تبين أن المادة ١٥٢ فيه تنص على أن رئيس الجمهورية بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة لا يعلن الحرب ولا يرسل القوات المسلحة فى مهام قتالية إلى خارج حدود الدولة إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى وموافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين. وفى غياب المجلس التشريعى يستعاض عنه بأخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء.

يعد ذلك التاريخ، وطوال شهر أبريل لم تصدر بيانات رسمية حول الموضوع، وإن افترضنا أن موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء على مبدأ المشاركة قد تمت، رغم أن شيئا من ذلك لم يعلن. أما تنفيذ القرار فقد ظل موضوعا للشائعات، التى كان منها ما رددته المصادر السعودية عن اشتراك ١٦ طائرة مصرية فى قصف مواقع الحوثيين.

المعلومات دخلت فى طور آخر بدءا من السبت الماضى (الثانى من مايو). إذ فوجئنا بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى سافر إلى الرياض فى زيارة استغرقت عدة ساعات التقى خلالها العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز. بعد العودة أطلق المتحدث الرسمى باسم الرئاسة تصريحا غامضا قال فيه إن الجانبين أكدا على أهمية مواجهة محاولات التدخل فى الدول العربية أيا كان مصدرها، والتصدى لجميع المخططات التى تستهدف بث الفرقة والانقسام بين الأشقاء، وذلك حفاظا على الأمن القومى العربى. كما أشار المتحدث إلى قوة العلاقة بين البلدين وحرصهما على تعزيز التشاور والتنسيق فيما بينهما. إلى غير ذلك من العبارات الفضفاضة التى تقول ولا تقول، ويمكن تركيبها على أى لقاء للرئيس مع أى رئيس أو ضيف آخر.

اكتشفنا لاحقا أن المتحدث الرسمى كان يغيِّبنا ولا يعرِّفنا، وأن الصورة الضبابية التى نقلتها عنه صحف الأحد لم تعبر عن شىء من حقيقة ما جرى. على الأقل فذلك ما كشفت عنه الصحف الصادرة يوم الاثنين، فجريدة الأهرام مثلاً ذكرت أن مجلس الوزراء عقد اجتماعا طارئا بعد ساعات قليلة من عودة الرئيس السيسى من اجتماعه مع العاهل السعودى فى الرياض. وقد دعى الوزراء للاجتماع على عجل، حيث أبلغوا به قبل ساعة ونصف الساعة من موعده، دون أن يبلغوا بالهدف من الاجتماع وسببه.

حسب رواية الأهرام فإنه قبل عشر دقائق من الموعد المقرر وصل إلى مكان الاجتماع الفريق صدقى صبحى وزير الدفاع، ورئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب (الأهرام نشر الترتيب بهذا الشكل). حيث عقدا اجتماعا مغلقا لمدة خمس دقائق. بعدها دخل المهندس محلب إلى قاعة اجتماع مجلس الوزراء بمقر هيئة الاستثمار. وخلال الاجتماع الذى استغرق عشر دقائق أبلغ الوزراء بقرار رئيس الجمهورية بمد فترة إرسال بعض عناصر القوات المسلحة خارج حدود الدولة للدفاع عن الأمن القومى المصرى والعربى فى منطقة الخليج العربى والبحر الأحمر وباب المندب لمدة ثلاثة أشهر أو لحين انتهاء المهمة القتالية أيهما أقرب. كما ورد فى النص المنشور، وكان واضحا أن اجتماع الدقائق العشر أريد به استيفاء الشكل المنصوص عليه فى الدستور الخاص باشتراط موافقة مجلس الوزراء فى هذه الحالة.

لم تكن تلك هى المفاجأة الوحيدة لأن «الأهرام» فاجأتنا أيضا بأن رئيس الجمهورية كان قد قرر من قبل إرسال بعض عناصر القوات المسلحة خارج حدود الدولة لمدة أربعين يوما. وقد أضافت «الأهرام» فى هذا الصدد أنه «نظرا لأن تلك المدة قاربت على الانتهاء، وأن المبررات التى استلزمت إصدار ذلك القرار ما زالت قائمة، فقد طلبت وزارة الدفاع مدها، ووافق مجلس الوزراء على ذلك». (فى الاجتماع الأخير).

لم أجد أثرا لذلك القرار السابق فى كل المصادر المتاحة، فضلاً عن أن أحدا لم يشر إليه طيلة الفترة الماضية. لذلك استنتجت أنه لم يعلن فى حينه بسبب معارضة الرأى العام لفكرة المشاركة. ورجحت أن يكون الموضوع قد نوقش فى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم ٢٦ مارس الماضى، الذى أعلن فى أعقابه عن اتخاذ قرار المشاركة بعد استكمال الإجراءات الدستورية اللازمة، لكن الجهات المعنية آثرت عدم الإشارة إلى حكاية الأربعين يوما التى أوشكت على الانتهاء، وبررت لاحقا إصدار قرار جديد بإطالة المدة لثلاثة أشهر أخرى. (التفاوت بين المدتين له دلالته، ويوحى بأن التقدير الأولى انبنى على الظن بأن الحرب ستحسم بسرعة فى حين أن التقرير الثانى لا يستبعد إطالة أمد الحرب).

الكشف عن صدور قرار سابق غير معلن بإرسال عناصر من القوات المسلحة إلى الخارج، يثير سؤالين، أحدهما دستورى يتعلق بما إذا كانت الموافقات التى نص عليها الدستور قد تمت أم لا، وهو جانب مضمون وإن لم يعلن. السؤال الثانى سياسى يتعلق بمدى صواب إرسال أى عدد من أبناء الشعب المصرى للقتال خارج البلاد دون أن يُحاط الرأى العام أو الطبقة السياسية علما بذلك.

لم تقف المفاجآت عند ذلك الحد، لأنه طوال يوم الأحد (٣ مايو) تسربت الأخبار عن عملية إنزال قوات عربية فى عدن، وهو ما نفاه فى البداية المتحدث العسكرى السعودى باسم قوات التحالف، ثم اعترف به فى وقت لاحق. وما همنا فى هذه الجزئية أنه قبل الإعلان عن الموافقة الشكلية، التى صدرت عن مجلس الوزراء المصرى على مد فترة إرسال القوات المسلحة إلى الخارج، كانت القوات قد تم إنزالها بالفعل فى عدن. كما ذكرت جريدة «الشروق»، علما بأن القرار الأول الذى صدر فى ٢٦ مارس الماضى كان يتحدث عن مشاركة قوات جوية وبحرية، فى حين أن العناصر التى اشتركت فى الإنزال ضمن القوات القتالية الخاصة.

إذا كان الذى فهمته صحيحا فإنه يصبح باعثا على القلق، ليس فقط لأن أمرا بهذه الأهمية ما كان له أن يتم بمعزل عن الرأى العام، ولكن أيضا لأنه يقدم نموذجا يقنعنا بأن أملنا فى إقامة الدولة المدنية والديمقراطية صار أبعد مما نتصور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفاجآت المشاركة فى حرب اليمن مفاجآت المشاركة فى حرب اليمن



GMT 19:34 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 19:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 19:28 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib