معنى أن تبقى الراية مرفوعة في تونس
مسيرات الجيش السوداني تقصف عدداً من المواقع التابعة لميليشيا الدعم السريع غربي أم درمان ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم طائرة في مطار بكوريا الجنوبية إلى 174 قتيلاً الملاكم البورتوريكي بول بامبا بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية عن عمر يناهز 35 عاماً قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل د. حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة منظمة الصحة العالمية تعلن إصابة موظف بجروح خطيرة نتيجة قصف إسرائيلي استهدف مطارًا في اليمن أكرم الروماني مدرب مؤقت لفريق المغرب الفاسي كمدرب مؤقت خلفاً للمدرب المقال الإيطالي غولييرمو أرينا منع تام لحضور جمهور الرجاء الرياضي إلى الملعب البلدي ببركان وليس التنقل الجماعي فقط إيران تعلن استئناف المباحثات النووية مع القوى الأوروبية في يناير 2025 جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعلن مقتـل 3 عسكريين بينهم ضابط في المعارك التي تجري مع فصائل المقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة قصر الإليزيه يُعلن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة فرانسوا بايرو
أخر الأخبار

معنى أن تبقى الراية مرفوعة في تونس

المغرب اليوم -

معنى أن تبقى الراية مرفوعة في تونس

فهمي هويدي

رغم ضراوة الحرب التى أُعلنت على الربيع العربي والانتكاسات التى لاحقته على مدار العام، فإننا نودعه ونحن مطمئنون إلى أن جذوة الربيع لم تنطفئ، بدليل أن رايته لاتزال مرفوعة فى تونس.

حين يحلف الرئيس التونسي المنتخب باجي قايد السبسي اليمين الدستورية أمام البرلمان اليوم فسوف يستقبل كثيرون الخبر باعتباره إعلانا عن نهاية الثورة وطى صفحة الربيع العربي هناك. وربما خطر لبعضهم أن تونس بصدد العودة إلى حكم الدستوريين الذى أسقطته الثورة فى عام 2011. وليس ذلك مجرد تخمين أو استنتاج لأن تلك رسالة جرى بثها وتعميمها على الكافة منذ فاز حزب «نداء تونس» بأغلبية الأصوات فى الانتخابات التشريعية التى جرت فى شهر أكتوبر الماضى. وهو ما أنعش رعاة الثورة المضادة، ورفع معنويات أركانها وعناصرها فى مختلف أنحاء العالم العربى، إلا أن تلك الرسالة عبرت عما تمناه هؤلاء بأكثر مما عبرت عن القراءة الصحيحة لخرائط الواقع التونسى وحقيقة المتغيرات التى طرأت عليه بعد الثورة.

ما تمناه هؤلاء لم يكن كله وهما، لأنه استند إلى مسوغات لا تخلو من صحة. فالرئيس التونسى الجديد (السبسى) قادم من حقبة الرئيسين بورقيبة وبن على التى انقلبت عليها الثورة. وشرعيته مستمدة من تاريخ ما بعد الاستقلال (عام 1956) وأغلب الذين صوتوا له وماكينته الحزبية والإعلامية من عناصر الدستوريين والتجمعيين وهما حزبا الرئيسين سابقى الذكر، وقد هزم الرجل فى الانتخابات الرئاسية منافسه الدكتور المنصف المرزوقى الذى ينتسب إلى شرعية الثورة. صحيح أيضا أن حزب نداء تونس أزاح حركة النهضة المنسوبة إلى الإسلام السياسى من رأس قائمة القوى الممثلة فى البرلمان. كما أن ممثلى حزب النداء الذين وصل عددهم إلى 90 نائبا أغلبهم من الدستوريين (60 نائبا) فى حين أن الباقين يتوزعون بين اليساريين وغير المصنفين. إلا أن تقييم المشهد التونسى بناء على تلك المعلومات يظل قاصرا، لأنه يعنى الاكتفاء بالنظر إلى المشهد من زاوية واحدة وتجاهل زواياه الأخرى.

حين تجاوزت تونس الفترة الانتقالية وعبرتها بأمان، فإن ذلك كان أهم إنجاز سمح باستمرار الثورة وضمن للربيع العربى أجواءه العطرة. إذ خلال تلك الفترة حدث أمران مهمان للغاية، الأول أن المجتمع حضر فى المشهد السياسى من خلال مؤسساته الفاعلة التى أصبحت شريكة فى القرارات السياسية وقادرة على منازلة السلطة وتحديها، الأمر الثانى أن الصراع والتجاذب ظل مدنيا طول الوقت، فى حين ظلت القوات المسلحة خارج المشهد وليست طرفا فيه.

حين تم اغتيال اثنين من قادة المعارضة (شكرى بلعيد ومحمد البراهمى) فإن ذلك أغضب الشارع التونسى وأدى إلى إسقاط حكومتين متتاليتين وانتهى بخروج حركة النهضة من السلطة وتشكيل حكومة تكنوقراط من خارج الأحزاب. وحين هاجم نفر من الإرهابيين المسلحين مخيما للجنود فى جبل الشعانبى فى محافظة القصرين المحاذية للحدود الجزائرية، وأدى ذلك إلى قتل 15 عسكريا من التونسيين فإن ذلك أحدث صدمة لدى الرأى العام، لم تعالجها الحكومة بتصريحات وإجراءات تراوحت بين إدانة الإرهاب وتشديد الحملة على عناصره وإلقاء القبض على أعداد من المشتبهين، وإنما طرحت مسألة المسئولية الأدبية والسياسية الأمر الذى أدى إلى استقالة قائد الجيش اللواء محمد صالح الحامدى من منصبه، رغم انه كان قد أمضى سنة واحدة فى منصبه، وكان بوسعه أن يتذرع بأنه حديث العهب بالمنصب ولا يتحمل مسئولية التقصير فى حماية الجنود المرابطين على الحدود. إلا أن اسقالته كانت إعمالا لقيمة غائبة فرضت عليه أن يتحمل المسئولية عن مقتل 15 من جنود الجيش الذى يتولى قيادته، رغم أنه لم يكن مضطرا لذلك من الناحية القانونية.

خلال الفترة الانتقالية لم تكن السلطة هى الفاعل الوحيد فى الساحة السياسية، حتى الرئيس المرزوقى ذاته كان دوره هامشيا، ولكن الفاعل الأول ظل متمثلا فى القوى المدنية التى ظلت راعية للحوار وضابطة لحركة الشارع. وقد تمثلت فى الرباعى المتمثل فى اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان. وظل التوافق بين تلك القوى الأربع مصدرا للكثير من القرارات التى اتخذت بل والقوانين التى صدرت وأهمها القانون الانتخابى.

فى هذا الصدد فإن الدور الذى لعبته حركة النهضة فى تحقيق التوافق الوطنى والحفاظ على السلم الأهلى كان له إسهامه الكبير فى إنجاح المرحلة الانتقالية. إذ رغم تمتعها بالأغلبية مع «الترويكا» فى الجمعية التأسيسية، الأمر الذى كان يمكنها من التحكم فى توجيه دفة الفعل السياسى بما يكرس نفوذها ويخدم مصالحها. إلا أنها مارست طول الوقت مرونة مشهودة أعطت الأولوية للوفاق الوطنى وحماية الديمقراطية، ومن ثم الحفاظ على مسيرة الثورة.

الإنجاز الكبير الذى تحقق خلال المرحلة الانتقالية تمثلت فى المصادقة على الدستور الجديد الذى وافقت عليه أغلب القوى السياسية فى الجمعية التأسيسية وخارجها، وتكمن أهمية ذلك الدستور فى أنه ضمن أبرز الحقوق والحريات وكرس الفصل بين السلطات وحصن المجتمع ضد تغول السلطة وطغيانها.

ما لا ينتبه إليه كثيرون أن الدستور الجديد أضعف سلطة رئيس الدولة، فى حين قوى من الحكومة، وكما قال لى أحد الخبراء الذين شاركوا فى وضعه فإن المقارنة بين نفوذ كل منها تشير إلى أن الرئيس أصبح يملك 20٪ من السلطات فى حين تستحوذ الحكومة على 80٪ منها، ذلك أن الرئيس طبقا للدستور لا يستطيع أن يتخذ قرارا دون استشارة رئيس الحكومة. بل إن المادة 77 منه حصرت اختصاصات الرئيس فى «ضبط السياسات العامة فى مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومى المتعلق بحماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية، لكنها نصت على أن ذلك يتم «بعد استشارة رئيس الحكومة». وسلطات الرئىس فى التعيين تشمل مفتى الجمهورية وموظفى رئاسة الجمهورية فقط. أما التعيينات المتعلقة بالوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية فإنها تتم بعد استشارة رئيس الحكومة. أما تعيين محافظ البنك المركزى فإنه يتم باقتراح رئيس الحكومة وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة لمجلس النواب (المادة 78) ــ ولرئيس الجمهورية أن يعلن الطوارئ فى حالة الخطر الداهم، لكن ذلك مشروط باستشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وإخطار رئيس المحكمة الدستورية (المادة 80)

فى كل الأحوال فإن رئيس الحكومة يظل شريكا فى ضبط السياسة العامة للدولة (المادة 91) ويده مطلقة بعد ذلك فى تشكيل الوزارة وإنشاء الوزارات، إلا أنه مطالب بالتشاور مع رئيس الجمهورية فقط بالنسبة لوزارتى الخارجية والدفاع (المادة 89) فى حين أن الرئيس لا علاقة له بأية تعيينات أخرى فى الدولة، بما فى ذلك إنشاء الوزارات أو إلغاؤها.

توسيع صلاحيات رئيس الحكومة لا يعنى تركيز السلطة التنفيذية فى يديه. لأن الدستور خصص بابه السادس لإنشاء مجموعة من الهيئات المستقلة التى ينتخب مجلس النواب أعضاءها. ولا سلطان عليها لرئيس الدولة أو رئيس الحكومة. واحدة لإجراء الانتخابات والاستفتاءات والثانية لضمان حرية التعبير والإعلام والثالثة للدفاع عن حقوق الإنسان، والرابعة للتنمية المستدامة، أما الخامسة فهى مختصة بمكافحة الفساد. (المواد من 125 إلى 130).


أهم ما فى الدستور أنه حصن المجتمع من تغول السلطة، وأشركه فى إدارة البلد، بحيث أصبح الجميع شركاء فى حمل المسئولية، الأمر الذى طوى صفحة الزعيم الأوحد والحزب الواحد والإدارة المتسلطة الممسكة بكل الخيوط. وما كان لكل ذلك أن يحدث لولا رياح الربيع العربى التى رفعت صوت المجتمع عاليا وأشهرت رغبته فى التغيير والإصلاح دفاعا عن مصيره.

كان مفهوما فى ظل هذه الظروف المستجدة أن تسفر الانتخابات التشريعية عن تشكيل مجلس للنواب ضم أبرز القوى السياسية الفاعلة بمختلف اتجاهاتها، ويمكن اعتباره أقوى مجلس تشريعى فى تاريخ تونس، وربما فى العالم العربى المعاصر، ولم يكن التنوع فيه مقصورا على تعدد القوى السياسية فحسب، وإنما شمل التخصصات أيضا. إذ ذكرت إحدى الدراسات أنه ضم 36 محاميا و30 جامعيا و35 أستاذا فى التعليم الثانونى و26 من العمال و27 من رجال الأعمال و16مهندسا و11 طبيبا و12 موظفا حكوميا...إلخ.

هذا المعمار الجديد فى تونس وفى العالم العربى بأسره. وضع الأساس لجمهورية ديمقراطية حقيقية تكفل سلطة المجتمع وتحمى كرامة المواطن فى سياق حفظها للحقوق والحريات، وتقبل بالتداول السلمى للسلطة. إن شئت فقل إن ذلك المعمار يؤسس للاستثناء التونسى ويحقق للتوانسة ما فشلت ثورات أخرى فى تحقيقه فى العالم العربى.

لو قال قائل إننى فصلت فى عرض النصف الملآن من الكوب لما جانبه الصواب. وقد دفعنى إلى ذلك أننى لاحظت تسابق بعض الأبواق الإعلامية وأنظمة الثورة المضادة على اعتبار أن ما جرى فى تونس نهاية للربيع العربى، ثم إننى دهشت للخفة التى اتسمت بها قراءة المشهد وحصره فى حدود التهليل لتراجع حظوظ حركة النهضة فى مجلس النواب، بحيث أصبحت تحتل المرتبة الثانية وليست الأولى فى عدد الأعضاء، ناسين أن ذلك التراجع يبقى على النهضة كبديل مطروح أمام الشعب التونسى فى أى انتخابات قادمة.

أدرى أن ثمة أخطاء وقعت فيها حكومتا النهضة فى المرحلة الانتقالية، وأن خطر الإرهاب لايزال يهدد تونس، وأن الأزمة الاقتصادية تمسك بخناق البلد إلى حد مؤرق. وأفهم أن ثمة إحباطا فى أوساط الشباب الذين لم تحقق لهم الثورة طموحاتهم. ولا أستبعد أن يحاول الدستوريون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، كما أننى أسمع الكثير عن ضغوط المال الخليجى الذى صار نشطا فى مجال الحرب على التاريخ وتشجيع الثورة المضادة. إلى غير ذلك مما قد يبدو ضمن مكونات النصف الفارغ من الكوب المسكون بأسباب القلق ومسوغاته. إلا أننى أذكر الجميع بأن عمر الثورة التونسية لم يتجاوز أربع سنوات فقط لا غير، وإننا لا نعرف فى التاريخ ثورة ولدت كاملة الأوصاف. بقدر ما نعرف أن ما أنجزته الثورة التونسية حتى الآن يعد نجاحا لم تبلغه ثورة أخرى فى المحيط العربى أو محيط الجوار. وفى كل الأحوال فإن أكثر ما همنى فى الأمر أن راية الربيع العربى لاتزال مرفوعة ترفرف فى فضاء تونس معلنة عن بزوغ الفجر الجديد، الذى صرنا نرى بأعيننا الحشود التى تحشد لحصاره وإجهاض أحلامه.

"الشروق"

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معنى أن تبقى الراية مرفوعة في تونس معنى أن تبقى الراية مرفوعة في تونس



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 06:52 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

«بضع ساعات فى يوم ما».. شريط سينمائى يفضح المسكوت عنه!

GMT 06:48 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

«ماكينات» الفكر

GMT 06:46 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أوضاعها تُدمى القلوب!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 15:38 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 01:10 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

"أوتلاندر PHEV" تحفة ميتسوبيشي الكهربائية

GMT 18:01 2023 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تحطم طائرة عسكرية أميركية في شرق البحر المتوسط

GMT 10:04 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

دليل صيحات الألوان العصرية لربيع وصيف 2023

GMT 07:24 2022 الإثنين ,03 تشرين الأول / أكتوبر

وزير العدل المغربي يكشف تفاصيل العقوبات البديلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib