لينين الإسلامى

لينين الإسلامى

المغرب اليوم -

لينين الإسلامى

فهمي هويدي

«لينين الإسلامى» يمثل أحدث فرقعة فى عالم الإرهاب. والوصف ليس من عندى ولكنى نقلته عن موقع «فورين بوليسى» الذى تحدث عن شخصية أمريكية مثيرة ظهرت فى فضاء العنف يحمل صاحبها اسم شهيد بولسن (٤٣ سنة). ولفت انتباهى ان صحيفة «نيويورك تايمز» تحدثت عنه فى تقرير مفصل هذا الأسبوع أيضا، وهو ما دفعنى إلى الاهتمام بالموضوع ومتابعة تفاصيل مشروع هذا اللينين الذى ظهر فى المقدر حديثا. إذ يبدو أن للرجل أنصارا واتباعا، كما ان أفكاره أثرت على مجموعتين جديدتين فى مصر. لم أسمع بهما من قبل إحداهما تحمل اسم «حركة المقاومة الشعبية»، والثانية منظمة «العقاب الثورى». وطبقا للكلام المنشور فان أفكار الرجل والمجموعتين المذكورتين مسئولة عن الهجوم الذى وقع هذا العام على بعض المؤسسات متعددة الجنسية والبنوك الأجنبية. التى كان من بينها مقر شركة ندرافون وأحد مطاعم «كنتاك». وطبقا لما ذكره موقع فورين بوليسى فإن حركة المقاومة الشعبية التى كانت قد أعلنت مسئوليتها عن الهجوم على بعض تلك المؤسسات فى مصر، استخدمت فى بياناتها شعارات بولسن.

المشروع الذى يقدمه صاحبنا هذا ــ تقول فورين بوليسى. يتمثل فىمحاولة دمج أيديولوجية معاداة الرأسمالية التى ظهرت فى بدايات القرن الواحد والعشرين، مع مبادئ الإسلام السلفى شديدة التحفظ. وهذا الشغف الإسلامى بأفكار اليسار المتطرف ليس شيئا جديدا، خاصة فى اسلوب استهداف المصالح الاقتصادية، وهو ما سبق ان لجأت إليه بعض الحركات السلفية الجهادية حين استهدفت فى التسعينيات حركة السياحة فى مصر.

فى الكلام المنشور ان رسالة بولسن انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم العربى، وتسعى للانتشار أكثر فى أوساط الشباب الغاضب. ذلك إن الرجل نجح فى طبع الصبغة الإسلامية على خطاب أقصى اليسار عن الليبرالية الحديثة «الشريرة». حيث ركز على ان الشركات متعددة الجنسيات هى العدو الحقيقى للمسلمين. ومما قاله فى هذا الصدد «إن مصر محتلة من جانب الحملات الصليبية الليبرالية الحديثة».

الرجل له قصة طويلة وغريبة. فقد ولد فى كولورادو بالولايات المتحدة عام ١٩٧١، كمسيح|ى كاثوليكى، وبدأ حياته بمحاولة كتابة السيناريو فى كاليفورنيا باسم شانون موريس. وعرف عنه انشغاله فى وقت مبكر بقضية العدالة الاجتماعية وانصاف الفقراء. وايقظت رحلة مالكوم اكس بين السياسة والدين اهتمامه بالإسلام، حتى ان أصبح مسلما فى عام ٩٧. وهو العام الذى تعرف فيه على فلسطينية فى قطاع غزة كانت تدرس فى الولايات المتحدة فتزوجها، وظل يكتب المقالات ضد السياسة الإسرائيلية وتحكم صندوق النقد الدولى فى باكستان. وحين اختلط بمجتمع المسلمين الأمريكيين فانه مارس أنشطته الدعوية والإعلامية. من أمريكا انتقل إلى لندن وانتهى به المطاف فى دبى، حيث بدا مشروعا تجاريا ومارس أنشطته عبر مواقع التواصل الاجتماعى. لم يوفق الرجل فى مشروعه، ومن خلال الإنترنت تعرف على شخص ألمانى فدعاه إلى منزله فى غياب زوجته التى كانت فى زيارة لأهلها فى غزة. وأثناء الزيارة باعتاره «كافرا»، واستخدم بطاقاته الائتمانية فى سحب ٢٠ ألف دولار من حسابه اشترى بها أجهزة إلكترونية، وبعد ان انكشف أمره حكم عليه بالإعدام. وفى السجن صار إماما لأقرانه، وتبنت بعض المحافل الإسلامية قضيته داعية إلى الرأفة به. فخفف الحكم عليه. وأطلق سراحه فى عام ٢٠١٣، بعد دفع دية القتل التى قدرت بـ٤٥ ألف دولار. وكان قد أمضى فى السجن ٦ سنوات.

بعد خروجه اتجه إلى تركيا، حيث التقى هناك أحد غلاة السلفيين المصريين ــ اسمه محمود فتحى ــ الذى كان أحد مؤيدى العنف ضد السلطة ولأن صاحبنا المصرى لم يكن يملك رؤية استراتيجية فان بولسن ملأ هذه الثغرة بفكرة خلاصتها ان «برنامج الليبرالية الحديثة أكثر خطورة على مصروالحركة الإسلامية من النظام القائم» ــ وبنى على ذلك ان الجهد ينبغى أن ينصرف إلى محاولة شن حملة «لتعطيل النظام» ــ على حد تعبيره ــ ذلك ان الهجوم على الشركات متعددة الجنسيات سيصيبها بالخسائر التى تضطرها إلى التخلى عن النظام القائم بما يمكن ان ينتهى بإسقاطه فى نهاية المطاف. واعتبر بولسن ان ذلك الأسلوب قابل للتطبيق ليس فى مصر وحدها، وانما يمكن ان يكون عنصرا مساعدا للنضال الإسلامى فى كل مكان ضد «الليبرالية الجديدة والإمبرالية الشيطانية، التى تنشر دينا رأسماليا مبنيا على الكفر».

لا أعرف مدى دقة المعلومات التى تحدثت عن زيادة عدد المتابعين لبولسن على مواقع التواصل الاجتماعى، لكننى لم استبعد ان يجد أنصارا من جانب بعض الشباب المسلم الغاضبين واليائسين الذين تمكن منهم الرغبة فى الثأر لأهليهم أو اخوانهم، فى الوقت الذى يرون فيه الأفق مسدودا والمستقبل مظلما.

بقيت عندى ملاحظتان، الأولى أننى أجدد الدعوة إلى أهمية الفرز والتدقيق فى الجماعات التى تمارس العنف أوتدعو إليه، لان الخطاب الإعلامى والتعبوى الراهن فى مصر مشغول بجهة واحدة ــ لأسباب سياسية فى الأغلب ــ فى حين ان المناخ يستنبت كيانات أخرى أشد خطورة، كالتى سبقت الإشارة إليها ــ وهذه قد تفاجئنا بما هو أسوأ وأضل سبيلا.

الملاحظة الثانية التى تحتاج إلى تفكير هى انه إذا كن هناك من يستثمر اليأس ويوظفه لتأجيج العنف وإشاعة الخراب، فلماذا لا نسمع صوتا أو نشهد تحركا من أى نوع يهدئ النفوس ويفتح أبواب الأمل أمام اليائسين؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لينين الإسلامى لينين الإسلامى



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib