للشعوب رب يحميها

للشعوب رب يحميها

المغرب اليوم -

للشعوب رب يحميها

فهمي هويدي


يفترض أن يكون اجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية فى القاهرة حدثا له رنينه الذى يثير درجات متفاوتة من الاهتمام والترقب ــ على الأقل فإن جيلنا يختزن ذكريات تحثه على تهيب اللقاء وأخذه على محمل الجد، باعتباره مؤشرا ينبئ بأن الساحة العربية مقبلة على تطور مهم.

لكن ظهور أولئك الجنرالات فى الصور هذا الأسبوع لم يكن له صدى يذكر فى مختلف الأوساط، حيث لم يستوقف أحدا، وكان الإقبال على مطالعة الصور والتفرس فى الوجوه أكثر من الاهتمام بمتابعة الكلام، لأنها ذكرت الناس بأن ثمة جيوشا عربية لا تزال موجودة على الأرض، وأن على رأس تلك الجيوش رتبا رفيعة ورجالاً يحملون ألقابا طنانة، ويتحركون فى مواكب مهيبة. ورغم أن أحدا لم يلمس أثرا إيجابيا لجهودهم، ولم يستطع أن يجد إجابة شافية ومقنعة على السؤال: ماذا يفعلون؟

منذ حرب عام ١٩٧٣ ضد إسرائيل لم نسمع شيئا عن معركة خاضتها الجيوش العربية ولا عن اجتماع لرؤساء الأركان العرب حتى شحبت صورهم فى الذاكرة بمضى الوقت. إذ ظل الحضور الأقوى لأجهزة الأمن والشرطة. وفى أحيان كثيرة انضمت الجيوش إلى أجهزة الأمن الداخلى، حتى بدا أن أداءها مقصور على مواجهة خصوم السلطة وجماعات المعارضة الداخلية (سوريا والعراق والجزائر مثلا، ولا ننسى أن الجيش اليمنى الآن بموالاته للرئيس السابق على عبدالله صالح أصبح أداة فى يد انقلاب الحوثيين).

لقد نقل الرئيس الأسبق أنور السادات قوله عن حرب عام ١٩٧٣ إنها آخر الحروب. وقد تحققت تلك النبوءة بالنسبة للجيوش العربية فقط، التى لم تدخل فى مواجهة ضد إسرائيل منذ ذلك الحين. بل لا يكاد الباحث يجد إشارة إلى احتمالات تلك المواجهة فى خطاب رؤساء الأركان العرب. وحين تطرق بعضهم إلى احتمالات المواجهة فإن أحاديثهم كانت صريحة فى أن العدو المقصود هو «الإرهاب».

تلك كانت ملاحظة أولى على اجتماع رؤساء الأركان العرب فى القاهرة هذا الأسبوع. الملاحظة الثانية أن الجيوش العربية التى لم تخض معركة حقيقية منذ عام ١٩٧٣ (أى منذ ٤٥ عاما) تراجعت كفاءتها إلى حد كبير، حتى إن بعضها صار ينهزم ويفر أمام الجماعات المسلحة، كما حدث فى الرمادى بالعراق، وفى أدلب وجسر الشغور فى سوريا. وحين دخلت بعض تلك الجيوش فى مواجهات مع الجماعات الإرهابية، فإنها لم تنجح فى القضاء عليها، وهو الحاصل فى دول عربية أخرى.

الملاحظة الثالثة إنه فى حين خرجت الجيوش العربية من ساحة المواجهة مع العدو محتلا كان أم غازيا، فإن المجموعات المسلحة هى التى تولت المهمة وحققت نجاحا فيها، وهو ما فعله حزب الله فى لبنان، وما فعلته حماس والجهاد الإسلامى والقوى الوطنية فى غزة، وما قامت به فصائل المقاومة ضد الأمريكيين فى العراق، وها نحن نجد المقاومة الشعبية فى اليمن هى التى تتولى صد تمدد الحوثيين.

بقيت عندى ملاحظات أخرى تتعلق بموضوع القوة العربية التى اجتمع رؤساء الأركان العرب لتشكيلها قبل نهاية شهر يونيو المقبل، طبقا لقرار القمة العربية فى شرم الشيخ. هذه الملاحظات تتلخص فيما يلى:
• ستكون مفارقة لا ريب أن تتولى القواعد العسكرية الغربية تأمين، وحراسة مصالحها المفترضة فى كل الدول العربية المهمة، من الناحيتين الاستراتيجية أو الاقتصادية والنفطية، وفى الوقت ذاته تشكل قوة مسلحة عربية، لا يعرف بالضبط الهدف من وراء إنشائها.

• تشكيل القوة العربية وتشكيل مجلس أعلى للدفاع يفترض اتفاقا حول العدو وحول الأهداف الاستراتيجية. وحين ذكر أن المشاركة فى تلك القوة اختيارية، فذلك يعنى أن ذلك الاتفاق ليس قائما، وأن الدول التى ستشارك فيها ستحدد موقفها فى ضوء مصالحها وحساباتها الخاصة. فقد تستشعر مصر أنها بحاجة إلى غطاء لتدخلها فى ليبيا، وقد تجد السعودية أن تدخلها فى اليمن يحتاج بدوره إلى غطاء. وقد تتردد الدولتان فى المشاركة فى التحالف المناهض لتمدد تعظيم الدولة الإسلامية (داعش) فى سوريا والعراق. والشىء المؤكد أن مشروع القوة العربية لا علاقة له بالقضية، التى كانت مركزية يوما ما، حيث لم يشر إلى إسرائيل من قريب أو بعيد فى التصريحات والأدبيات ذات الصلة بالمشروع

• اتصالا بما سبق، لا مفر من الاعتراف بأن العالم العربى مختلف الآن حول العدو الذى يتعين عليه أن يواجهه، وهل هو إسرائيل أم إيران أم أنه تآمر الأمريكان والغرب، وتلك مسألة فارقة، لأنه فى غياب الاتفاق عليها يبدو الكلام عن القوى العربية مجرد غطاء لتصفية حسابات ضيقة لبعض الأنظمة، لا علاقة له بالمصالح العليا للأمة العربية.

• مشروع القوة العربية بصورته تلك إذا أضيف إلى التفاعل الحاصل والمنتظم بين وزراء الداخلية العرب، فإنه يبعث إلى الجميع برسالة خلاصتها أن العمل العربى المشترك بات محصورا على الدفاع عن الأنظمة وأمنها، وأن مصالح الشعوب وتطلعاتها فى التقدم والنمو والحرية والعدل لم تعد مدرجة على جدول الأعمال. وعلى الشعوب أن تدبر حالها من باب آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

للشعوب رب يحميها للشعوب رب يحميها



GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

GMT 20:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

محاولات لفتح ملفات لوكربي المغلقة

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib