فهمي هويدي
الخطوات الأولى فى تحقيق حلم تمكين الشباب المصرى بدأت أمس (الأحد ٢٠ سبتمبر)، هذا الكلام ليس لى، لكنه إحدى البشارات التى زفتها لنا الصحف المصرية فى الأسبوع الماضى. إذ كان ذلك نص أحد عناوين جريدة الأهرام الصادرة فى ١٦ سبتمبر الحالى. الذى أشار إلى أن «تمكين الشباب حلم يتحقق». وفهمنا أن فكرة التمكين بمثابة اختزال لأهداف البرنامج الرئاسى الذى أعد لتأهيل الشباب للقيادة من خلال إعداد دورات تدريبية لهم. وقد تحدد يوم أمس موعدا لفتح باب تسجيل المتقدمين لها، حيث يفترض أن تبدأ أولى الدورات فى منتصف شهر أكتوبر المقبل.
التفاصيل التى نشرتها جريدتا «الأهرام» و«الشروق» يومذاك منسوبة إلى مصادر رئاسة الجمهورية شرحت الفكرة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حفل أسبوع شباب الجامعات الذى أقيم فى جامعة قناة السويس على النحو التالى:
< خلال العام الأول من التنفيذ سيتم تدريب ٢٥٠٠ شاب وشابة من خلال عشر دورات، مدة الدورة الواحدة ٨ أشهر. وابتداء من العام الثانى تقضى الخطة بتنظيم ١٢ دورة سنويا.
< الهدف الرئيسى للبرنامج هو «خلق قاعدة بيانات ضخمة تضم شباب الخريجين من جميع التخصصات الحاصلين على برامج تدريبية عالية فى العلوم الإدارية والسياسة والإعلام والاستراتيجية، ولهم اطلاعهم على أحدث نظريات الإدارة والتخطيط العلمى والقادرين على تطبيق الأساليب الحديثة لمواجهة المشكلات»، وذلك لكى يسهل اختيار القيادات الشابة التى تتمتع بالكفاءة المطلوبة لشغل الوظائف القيادية فى الجهات الحكومية مستقبلا.
< كان الرئيس قد أصدر توجيهاته فى شهر مارس الماضى للمجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية بإعداد البرنامج بعدما لاحظ أن هناك نقصا فى قواعد البيانات الخاصة بأولئك الخريجين المؤهلين. ولأجل ذلك تم التعاقد مع أكبر شركة عالمية فى مجال تكنولوجيا المعلومات ودعم اتخاذ القرار للمساهمة فى العملية، كما تم الاتصال مع كلية الإدارة فى فرنسا، فى الوقت ذاته جرى الإطلاع على الدراسات الجاهزة بمركزى التخطيط القومى وإعداد القادة. وبناء على ذلك تبلورت الرؤية بحيث أصبح البرنامج جاهزا للتنفيذ.
< عقد الدورات وإقامة المتدربين المغتربين ستتم بمقر المجالس المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية الذى يتضمن قاعات للتدريب على أعلى مستوى. كما سيتم تحصيل بعض المحاضرات فى أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية وكلية العلوم والإدارة وأكاديمية السادات وجامعة القاهرة. كما سينتقل المتدربون إلى مدينة الإسكندرية لاستكمال محاضراتهم فى كليتى البحرية والدفاع الجوى.
الهدف السياسى للفكرة واضح، رغم أن الكلام المنشور حرص على التنويه إلى استبعاد الانتماء السياسى فى تقييم المتقدمين. كما أننى لا أستبعد أن تكون فى خلفيتها محاولة ردم الفجوة القائمة بين الشباب والنظام القائم، خصوصا بعدما تردد عن عزوف الشباب عن الاشتراك فى الانتخابات والاستفتاءات. ولست أرى غضاضة فى ذلك. إذ لابد أن يحمد لرئيس الدولة محاولته مخاطبة الشباب واحتواؤهم، بإشاعة الأمل فيهم وامتصاص غضبهم، ثم إن السياق الذى أطلق فيه مشروعه مفهوم، ذلك أنه كان يخاطب شباب الجامعات، قبل أيام من بدء العام الدراسى. ورغم أن الصحف ــ الأهرام بوجه أخص ــ نشرت تعقيبات لعدد من الخبراء وأساتذة الجامعات الذين احتفوا بالفكرة وحبذوها فإننى أزعم أن الإطار الموضوع لا يكفى فى تحقيق التأهيل المنشود. ذلك أن رعاية رئاسة الجمهورية للمشروع تعيد إلى الأذهان تجارب بعض الأنظمة التى سعت إلى تأميم الشباب وتجنيدهم لحسابها. كما أننا نلاحظ أن هناك إيحاء بأن البرنامج عمد إلى إغواء الشباب بفكرة تعيينهم فى الوظائف القيادية. وهى الفكرة التى ترددت فى بدايات النظام القائم، حين ارتفعت بعض الأصوات داعية إلى تعيين الرجل الثانى فى مواقع المسئولية فى السلطة والمحافظات من الشباب، وجرى تنفيذها بصورة محدودة.
بكلام آخر فإن وجود رئاسة الجمهورية فى الصورة يستدعى إلى الذاكرة مباشرة فكرة منظمة الشباب وحكاية التنظيم الطليعى. ولحظ الفكرة فإن الرئيس تحدث عن برنامج تأهيل الشباب يوم الأحد ١٣ سبتمبر فى حين أن وزارة التربية والتعليم كانت قد أصدرت يوم ١٠ سبتمبر ــ قبل ثلاثة أيام فقط ــ بيانا حول إنشاء ناد للأمن الفكرى فى كل مدرسة. ومعروف أن الجامعات لجأت إلى تنفيذ مشروع مواز لتنظيم «الطلاب الوطنيين» وتجميعهم لمواجهة زملائهم المعارضين والمشاغبين. وهى إشارات يصعب الفصل بينها. فى حين أن الربط الذى لا مفر منه قد يظلم طموحات برنامج تأهيل شباب الخريجين الذى تحدث عنه الرئيس.
الملاحظة الأهم مما سبق أن التأهيل الحقيقى للشباب سواء للعمل العام أو لتولى القيادات له شروط أخرى، وهذه تتكفل بها البيئة الصحية التى ينشأون ويتعلمون فى أجوائها. أقصد بذلك أجواء الحرية والديمقراطية التى تتاح فيها فرصة الحوار المفتوح واحترام الرأى الآخر وتحتمل شجاعة الاختلاف والتظاهر السلمى.. إلى غير ذلك من القيم التى تنضج شخصية المواطن وتشعره بالثقة والأمن والكرامة. وأخشى ما أخشاه أن يخلط البعض بين الانقياد والقيادة، لأن الكثير مما نراه يحث الشباب على الخضوع والامتثال والإحباط بأكثر مما يغذى فيه الطموح والكبرياء والأمل. ولكى لا يلتبس الأمر على أحد، فليتنا نبذل بعض الجهد لتحسين المناخ العام برفع سقف الحريات وإنعاش الأمل فى إقامة الديمقراطية، لكى نمهد التربة لتأهيل الشباب حقا للقيادة، وليس للخضوع والانقياد. علما بأن تمكين الشباب يتعذر تحقيقه ما لم يتم تمكين المجتمع أولا.