فهمي هويدي
ما الذى يتعين على العرب أن يفعلوه حين يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه طالما بقى فى السلطة فلن تكون هناك دولة فلسطينية؟ وماذا يكون رد فعلهم إذا فوجئوا بمسئول فى طهران يتحدث عن عودة الامبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد؟. السؤالان ليسا افتراضيين وإنما يتحدثان عما حدث بالفعل. فالمقولة الأولى أطلقها بنيامين نتنياهو أثناء حملته الانتخابية التى أتت به رئيسا للحكومة الإسرائيلية للمرة الرابعة. إذ نقل عنه موقع إن. آر. جى الإخبارى فى ١٦/٣ قوله إنه إذا ما انتخب فلن تكون هناك فى عهده دولة فلسطينية. مضيفا أن كل من يخطط لإقامة دولة فلسطينية ويطالب بإجلاء الفلسطينيين عن الأراضى التى «يقطنونها» يعطى للإسلام المتطرف أراضى ليشن منها هجماته على الدولة الإسرائيلية. لا أشك فى أن أحدا فى العالم العربى لم يكن يحسن الظن به ولا يتوقع منه خيرا من أى باب. كما أن الرجل التزم بذلك الموقف الذى أعلنه طول حكمه. صحيح أيضا أن الموضوع الفلسطينى والاستيطان لم يكن من القضايا المثارة أثناء المعركة الانتخابية، لأن تركيز الأحزاب على القضايا الاجتماعية والاقتصادية من أزمة الغلاء إلى الإسكان إلى تردى خدمات التعليم والصحة، مع ذلك فإن نتنياهو حرص على أن يجهر برأيه بهذه الصراحة والفجاجة، أغلب الظن لانه كان يخاطب المستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين لكى يكسب أصواتهم، غير عابئ ولا متوقع أى رد فعل من جانب السلطة الفلسطينية فى رام الله أو من جانب الأنظمة العربية.
من الناحية السياسية فإن الرجل بما قاله أغلق أبواب الحلول السلمية. وأسكت أصوات الحكومات العربية التى ما برحت تراهن على مبادرة السلام ولاتزال تتعلق بوهم إقامة الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات. ومع ذلك فإننا لم نلحظ أى رد فعل من جانب السلطة أو من جانب أى دولة عربية. ومرر الجميع كلام نتنياهو باعتباره أمرا عاديا. وفى حين سكت الجميع عن ذلك الكلام الخطير، فإننا وجدنا ان الجامعة العربية اهتمت بالانتخابات الإسرائيلية، وصدر تصريح باسمها أيد القائمة الموحدة التى شكلتها بعض الأحزاب العربية والشخصيات الفلسطينية وشاركت بها فى انتخابات الكنيسيت. وحث البيان عرب ٤٨ على التصويت فى الانتخابات ودعم تلك القائمة بكل قوة. كما وجدنا أن زعيما لبنانيا هو السيد وليد جنبلاط انضم إلى المحبذين وخاطب الدروز فى إسرائيل داعيا اياهم إلى التصويت لصالح القائمة العربية ذاتها.
المفارقة بدت محزنة ومخيبة للآمال. إذ لم نلمح غضبا أو شجبا لكلام نتنياهو، فى حين وجدنا اهتماما سياسيا وإعلاميا ملحوظا بالانتخابات وبالقائمة العربية الموحدة المشاركة فيها.
الفرقعة الثانية جاءتنا من طهران، إذ عقد فى ٨ مارس منتدى كانت الهوية الإيرانية موضوعا له، وكان أحد المتحدثين فيه مستشار رئيس الجمهورية لشئون الأقليات على يونسى. ونقلت وكالة أنباء «ايسنا» للطلبة الإيرانيين عنه قوله أن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك. فإما أن نتحد معا أو نتقاتل معا. مضيفا أن إيران أصبحت الآن امبراطورية كما كانت فى السابق وعاصمتها بغداد، التى هى مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا عبر التاريخ. والعراق ليس جزءا من نفوذنا الثقافى فحسب، بل هى جزء من هويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ.
هذا الكلام الخطير أحدث دويا فى العراق وأثار ردود أفعال مختلفة داخل إيران، لكن أحدا لم يأبه به فى بقية أنحاء العالم العربى. فقد سارع وزير خارجية العراق إلى التأكيد على تمسك بلاده باستقلالها وهويتها الوطنية. وقبله قال متحدث باسم المرجع الدينى آية الله على السيستانى فى خطبة الجمعة بكربلاء «إننا نعتز بوطننا وبهويتنا واستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنا نرحب بأى مساعدة تقدم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب.. فإن ذلك لا يعنى فى أى حال من الأحوال أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا كما ذهب إليه بعض المسئولين فى تصوراتهم». فى ذات الوقت فإن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية تحدثت عن احترام بلادها لسيادة العراق وحرصها على عدم التدخل فى شئون الدول الأخرى. وقدم أكثر من مائة عضو بمجلس الشورى طلبا إلى الرئيس الإيرانى حسن روحانى بإقالة يونسى لسوء تصرفه، كما استدعته محكمة رجال الدين لمساءلته عما بدر منه. رغم أنه حاول تخفيف وقع كلامه حين صرح لاحقا بأنه فى حديثه كان يتحدث عن الامبراطوريات الفارسية القديمة وليس عن الوضع الراهن.
ما قاله السيد يونسى ذهب فيه إلى أبعد مما ذكره الدكتور على ولايتى مستشار المرشد فى ١٦ ديسمبر من العام الماضى، حين تحدث عن تمدد نفوذ إيران الذى وصل إلى اليمن بعدما مر بالعراق وسوريا ولبنان. إلا أن التصريحين يعبران عن الشعور بالنشوة فى طهران إزاء ما حققته إيران من حضور فى العالم العربى خلال السنوات الأخيرة.
من الملاحظات فى هذا الصدد أن الحكومة العراقية استدعت السفير المصرى فى بغداد وسلمته مذكرة احتجاج رسمية على انتقاد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لممارسات الميليشيات الشيعية المتطرفة (يقصد الجيش الشعبى) التى أدت إلى ارتكابها «جرائم بربرية نكراء» بحق سكان مناطق أهل السنة. وطالبت المذكرة الحكومة المصرية بالتعبير عن موقفها الرسمى إزاء ما صرح به الإمام الأكبر.
لم يتحرك شىء فى العالم العربى تعبيرا عن الاستياء والغضب مما قاله مستشار الرئيس روحانى والوزير السابق على يونسى. ولم تطالب طهران بتحديد موقفها الرسمى من كلامه الخطير عن عودة الامبراطورية الإيرانية واعتبار بغداد عاصمة لها. علما بأن بيان وزارة الخارجية لم يكن كافيا ولم يكن بمستوى الفرقعة التى أحدثها السيد يونسى.
الخلاصة التى يخرج بها المرء من التدقيق فيما صدر عن نتنياهو أو السيد يونسى أن الرجلين تعاملا بازدراء شديد مع العالم العربى، وتصرفا باعتباره عالما عاجزا ومنزوع الإرادة، وفى فراغه عربد الأول وتمدد الثانى، الأمر الذى يعنى اننا ينبغى أن نوسع من دائرة الاستهجان، ليشمل أيضا الذين أحدثوا الفراغ وأصبحوا عاجزين حتى عن إعلان الغضب إزاء ذلك الازدراء.