عن القناة سألونى

عن القناة سألونى

المغرب اليوم -

عن القناة سألونى

فهمي هويدي

سألتُ الصحفية التى ألحت على أن تعرف رأيى فى مشروع قناة السويس الذى يحتفل بافتتاحه اليوم لماذا تهتم برأيى وللمشروع جوانبه الفنية والاقتصادية التى لها أهلها، حينئذ ردت قائلة إنها توقعت أن يكون لى رأى آخر فى الموضوع. وأنها حريصة على أن تعرض الآراء المختلفة بصدده. لم أستغرب الملاحظة لأن بين الصحفيين الجدد شرائح التبست عليها الأمور لأنها تربت فى أجواء صحافة هذا الزمان التى تخلت عن الكثير من مفاهيم وتقاليد المهنة التى عرفها جيلنا، خصوصا حين تحولت الصحف من منابر للتعبير عن ضمير المجتمع، إلى أبواق لمراكز القوى وأدوات فى أيدى أجهزة السلطة وإدارات التوجيه المعنوى.

قلت للصحفية إن الاختلاف حول السياسات وارد وقد يكون مطلوبا لنقدها وتصويبها، ولكن الاختلاف لا يجوز حول المصالح العليا. وإذا كان التعدد فى النظر إلى السياسات مقبولا فإن الأمر لابد أن يختلف حين يتعلق الأمر بتلك المصالح العليا التى يظل الإجماع حولها ضروريا. والاختلاف بين الأمرين أشبه بالاختلاف بين الفروع والأصول. والسياسات تندرج تحت العنوان الأول والمصالح العليا جوهر العنوان الثانى. وإذا صح ما قيل من أن القناة ستشكل إضافة مهمة للدخل القومى وستشكل ركيزة لتنمية محور قناة السويس فذلك مما لا ينبغى أن يختلف عليه أحد، وإنما يتعين أن يلقى كل تأييد وتشجيع ومباركة للجهد الذى بذل فيه والأمل المعقود عليه.

قالت الصحفية: لكنك هاجمت حفل الافتتاح. قلت إن السؤال غير دقيق لأننى تحفظت على فكرة البذخ والمبالغة فى الافتتاح وليس على مبدأ إقامة الحفل الذى أدرك ضرورته. وحين قيل لى إن المبالغة لا تخلو من فائدة ولها مردودها لأنه يراد بها جذب المستثمرين من أنحاء العالم وجدت فى الملاحظة بعض الوجاهة وسكت بعد ذلك، وإن كان غيرى أثار الموضوع وقارن الافتتاح بما أقدم عليه الخديو إسماعيل حين فعلها فى افتتاح القناة الأصلية عام ١٨٦٩. استطردت قائلا إننى لم أتعرض لجوانب المشروع وجدواه كما فعل آخرون من أهل الخبرة، ثم إن التحفظ الذى أبديته ينبغى ألا يعد هجوما، وهو لا يتجاوز إبداء ملاحظة تعلقت بالشكل ولا علاقة لها بالموضوع والهجوم قد يستهدف التشهير والهدم أما النقد فيراد به التصويب والتصحيح.

لم أكد أفرغ من الرد على أسئلة ومناكفات الصحفية الشابة حتى استلفت نظرى رسالة لسيدة فى بريدى الالكترونى ــ ذكرت اسمها ولم أستأذنها فى نشره ــ ألقت علىّ السؤال التالى: هل ستكتب عن قناة السويس أم أنك ستكتفى بالكتابة عن السلبيات دون غيرها. وجدت السؤال الذى سمعته من آخرين يعبر عن تنامى الحساسية لدى كثيرين إزاء النقد والرأى الآخر إلى درجة إساءة الظن بالكاتب، إضافة أن تلك الحساسية عبرت عن التباس وسوء فهم لمهمة الكاتب. أما الحساسية فهى راجعة إلى حالة الاستقطاب المروعة التى شاعت فى مصر بحيث حولت الرأى الآخر إلى تهمة وجريمة تربط الكاتب بمختلف مصادر الخصومة والتآمر، بدءا من الطابور الخامس وانتهاء بمخططات التنظيم الدولى. ولا يخلو الأمر من غمز فى الانتماء وطعن فى الوطنية والولاء. وهناك عوامل كثيرة أسهمت ليس فقط فى تعميق الانقسام ولكن أيضا فى تدهور مستوى الاشتباك الناشىء عن ذلك. وفى مقدمة تلك العوامل الدور السلبى الذى يقوم به الإعلام الهابط فى استباحة الآخر واستخدامه فى ذلك مختلف أساليب التجريح والقمع والاغتيال المعنوى.

فيما خص الالتباس فى مهمة الكاتب ورسالته فإن كل اختلاف فى الرأى صار يوصف باعتباره من قبيل النقد غير البناء. حتى أصبح مفهوم المصطلح يحتاج إلى إعادة تحرير. إذ طبقا لذلك فإن المديح والتصفيق وحده صارا التعبير الأثير عن النقد البناء. وهو مايستفز أى كاتب مستقل، يرفض الانخراط فى القطيع. وفيما يتعلق بى فمنذ انضممت إلى كتاب الرأى فى سبعينيات القرن الماضى وحتى اللحظة الراهنة فإننى لم أغير من اقتناعى بأن الكلمة المسئولة هى الكلمة الناقدة التى توقظ وتنبه وتدق الأجراس طوال الوقت. وهو موقف له ثمنه بطبيعة الحال. إلا أننى التزمت به طوال العهود التى تعاقبت على مصر منذ ذلك الحين. أذكر فى هذا الصدد أن الروائى والشاعر السورى الراحل محمد الماغوط أصدر كتابا كان عنوانه: الفرح ليس مهنتى. وهو أراد بالعنوان أن ينبه القارئ من البداية أنه يقرأ كتابا فى التمرد على كل صور الظلم والاستبداد والفساد. لذلك جاءت فصوله بمثابة حزمة من الأجراس التى لا تكف عن الرنين المدوى طول الوقت. وإذا جاز لى أن اقتبس العنوان فلعلى أقول بدورى إن التهليل ليس مهنتى، لأننى انتمى إلى المدرسة التى تعتبر الكتابة معركة وليست نزهة أو تسلية. ومن هذه الزاوية يعد العامود اليومى بمثابة رصاصة تنطلق كل صباح ــ التعبير للأستاذ أحمد بهاء الدين ــ لتنير طريقا وتوقظ غافلا أو تفضح فاسدا أو تتحدى ظالما أو تصوب مخطئا أو تنتصر لمظلوم. وذلك جنس من الكتابة المقاوِمة التى يحتاجها أى بلد يخوض معركة التقدم والحرية. وهناك أجناس أخرى من الكتابة لها احترامها فى عوالم المعرفة والأدب والترويج وغيرها، وهذه قد يكون لها إسهامها فى المعركة ذاتها بأساليب وقوالب أخرى.

فى الضباب المخيم على الأفق الإعلامى يلتبس الأمر على كثيرين من دعاة الرأى الواحد، وتضيق الصدور بالكتابة المقاومة بحيث تصبح أجراس التنبيه مصدرا للإزعاج وسببا للكآبة، رغم أنها السبيل الوحيد لاستمرار اليقظة وعلاج الثغرات وتصويب الأخطاء. ولكن أكثر الناس فى زماننا لا يعلمون. ومنهم من يؤثر الغفلة ويستعذب العيش فى عالم الأمنيات والأوهام، فى حين يضيق ذرعا بملامسة الواقع بحقائقه وأعبائه. وفى هذه الحالة فإن العيب يصبح فى المتلقى وليس فى الكاتب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن القناة سألونى عن القناة سألونى



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib