فهمي هويدي
وم الأحد الماضى (١٢/٤) قال رئيس محكمة جنايات القاهرة إن مفتى مصر أيد إعدام ١٣ متهما فى قضية غرفة عمليات رابعة، معتبرا أنهم حاربوا الله ورسوله ومن ثم استحقوا أن يطبق عليهم حد «الحرابة». وفى نفس اليوم بث التليفزيون السورى فتوى أصدرها مفتى سوريا دعا فيها إلى التدمير الكامل لمناطق المعارضة بعدما وصف المنخرطين فيها بأنهم أعداء الله.
للدقة فإننى لم أطلع على نص كلام مفتى مصر لكن رأيه لخصه المستشار محمد ناجى شحاتة قاضى الموضوع، وسمعته بأذنى فى أحد البرامج التليفزيونية التى جرى بثها يومذاك، ولاحظت أن أحد الصحفيين الكبار استشهد به واعتبره أحد أقوال الأسبوع (الأهرام ١٨/٤). كما لاحظت أن المفتى شوقى علام لم يعقب على ما نسب إليه لا توضيحا ولا تصحيحا خلال الأيام الخمسة التالية. لذلك اعتبرت صمته من علامات الموافقة والرضا. أما كلام مفتى سوريا أحمد حسون فقد تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى، وأشارت إليه جريدة الحياة اللندنية (عدد ١٦/٤) فى تقرير كان عنوانه «مئة غارة على حلب بعد فتوى أحمد حسون».
ليس لدى كلام عن الموضوع فى الحالتين، لا فى قضية غرفة عمليات رابعة ولا فى الصراع الذى دخل عامه الخامس فى سوريا بين المعارضة والسلطة، لكن كلامى ينصب على أمرين محددين، الأول هو توظيف الأحكام الشرعية. والحدود عند اللزوم، فى تسويغ الإعدام فى الحالة الأولى. وفى تدمير وتصفية المعارضة فى الحالة الثانية. أما الأمر الثانى فهو التلاعب بالمصطلحات الشرعية وتأويلها بما يحقق للقرار السياسى مراده.
ما تمنيت أن يزج بلفظ الجلالة فى الحالتين. بحيث يوصف الذين قاوموا السلطات فى رابعة بأنهم حاربوا الله ورسوله، أو أن توصف جماعات المعارضة السورية التى خاصمت النظام بأنها ضمن أعداء الله. ثم إننى لا أستطيع أن أحسن الظن بانتقاء حدِّ الحرابة من بين كل الحدود الشرعية وإشهاره فى قضية بذاتها، فى ظرف سياسى معين. صحيح أن المفتيين فى كل من مصر وسوريا من موظفى الدولة، وهو ما يفرض عليهما سقفا مفهوما فى إبداء الرأى ــ لكن مجاملة السلطة لا ينبغى أن تصل إلى حد وصف الصراع السياسى فى الحالتين بأنه حرب على الله ورسوله، أو أنه عداء لله سبحانه وتعالى.
أدرى أن أحكام الإعدام فى مصر يؤخذ فيها رأى المفتى، وأعلم أن الرجل لم يؤيد بعض أحكام الإعدام التى صدرت فى الآونة الأخيرة لعوار وجده فى الأدلة. وأفهم أنه يحتكم فيما يعرض عليه على ضميره وثقافته الشرعية. وإذا أقدر ذلك كله فإننى لا أخفى دهشة إزاء وصفه ما جرى فى اعتصام رابعة بأنه حرب ضد الله ورسوله. ولا تتوقف عندى الدهشة حين أجده يصنف ما جرى بأنه «حرابة» تستحق الإعدام. أما ما صدر عن مفتى سوريا فإنه لا يفاجئ أحد من عارفيه، لأن الرجل منذ اللحظة الأولى اختار أن يصبح بوقا للنظام. ولا أستغرب منه أن يعتبر خصومه بأنهم أعداء الله.
كلامى فى النقطة الثانية مقصور على ما نسب إلى مفتى مصر باعتباره قضية غرفة رابعة بأنها نوع من الحرابة. هذا على افتراض أننا أيدنا ما نسب إلى المتهمين من تدبير فى مواجهة مخططات فض الاعتصام. أعنى أنه إذا صحت الوقائع المنسوبة إليهم فإن ذلك لا يعد من قبيل الحرابة، التى لها شروط لا تنطبق على الحالة التى نحن بصددها.
أستشعر حرجا فى مناقضة هذه النقطة لعلمى أن الأمر كله له علاقة بالسياسة بأكثر من علاقته بالفقه والشرع. لذلك أرجو أن يعد كلامى فى الموضوع بمثابة إيضاح لخلفيات الحكم الشرعى وليس تعليقا على رأى المفتى.
ذلك أن الحرابة فى أصلها الشرعى تفترض قطع الطريق بهدف أخد المال. وتشترط إلى جانب ذلك أن تتم الواقعة خارج العمران حين لا يكون الغوث ممكنا وحيث يفترض فى العابر أنه ماض فى أمان الله ورعايته وحده. وعند الأحناف والحنابلة والزيدية أن الخروج بغير قصد المال لا يعد حرابة ولو أدى إلى جرح قتل. هذه الأركان التى فصلت فيها كتب الفقه وتلك التى خصت التشريع الجنائى بالدراسة، لا شىء منها متوافر فى القضية التى نحن بصددها.
حيث الاستيلاء على المال لم يكن هدفا، والواقعة حاصلة فى قلب العمران، وفى وجود أرتال الجيش والشرطة. وإذا كان لابد من وصف فقهى لما حدث فى رابعة، فهو إلى «البغى» أقرب فى حين أنه مقطوع الصلة بالحرابة. والبغى له حكم آخر تقرره الآية التاسعة من سورة الحجرات التى تقول (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين).
ليس لدى كلام فى فتوى مفتى سوريا الذى وصف فيه معارضى النظام بأنهم أعداء الله، ذلك أنه لا يستحق تفنيدا ولا تعليقا. ذلك أن مجرد صدوره عنه يعد اعترافا وإعلانا من جانبه بأنه اتخذ إلهه هواه. وإذا صحت هذه الخلاصة فلن أضيف إليها شيئا، لأن الحكم القرآنى فى هذه الحالة شديد الغاية. وهو ما لا يدعونى إلى مناقشة كلامه، ويشجعنى أكثر لأن أرثى لحاله وأتمنى له المغفرة والهداية.