فهمي هويدي
إذا كانت روسيا قد أنقذت الرئيس الأسد وأمنَته فى الوقت الراهن على الأقل، فالذى لا شك فيه أنها ورطت نفسها فى المستنقع الغارق فى الدماء وفتحت الباب واسعا لاحتمالات «أفغنة» سوريا. صحيح أن النوايا الروسية ليست واضحة تماما، ومن المبكر القول بأن الرئيس الروسى أراد أن يرد للغربيين موقفهم منه فى أوكرانيا وخداعهم له فى ليبيا، أو أنه أراد أن يأخذ مكان إيران فى الدفاع عن النظام السورى، وان يقتسم المسئولية مع الإيرانيين بأمل أن يقتسم الغنيمة معهم. بذات القدر فليس واضحا ما إذا كان الروس قد قدموا لحماية الأسد الذى لا مستقبل له فى سوريا أم لحماية الطائفة العلوية الباقية، التى تتجمع الآن على الساحل تحسبا للمستقبل وتمهيدا لسيناريو الكيان العلوى الجديد إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك.
إذا كانت تلك من بين التداعيات والاحتمالات غير الواضحة، إلا أنه من الثابت الآن أن قواعد اللعبة تغيرت فى سوريا. ذلك أن العمل العسكرى من جانب المقاومة لايزال بوسعه أن يزعج النظام ولكن فكرة إسقاطه باتت مستبعدة. وفى أحسن الفروض فإن إخراج الرئيس الأسد من المشهد لن يكون إلا فى ظل صفقة أو اتفاق سياسى، لابد أن يكون للروس نصيبهم منها وكذلك للإيرانيين، وفى الحالة الإيرانية فإن الوجود الروسى لابد أن يستدعى أسئلة حول موقف إيران وحزب الله من إسرائيل. إذ ليس سرا أن القادة الروس يحتفظون بعلاقات طيبة مع تل أبيب ولن يقبلوا من إيران أو حزب الله أى مساس بمصالحها فى الوضع المستجد. وفى هذه الحالة فإن أثر الوجود الروسى سيكون له صداه فى لبنان وفى العراق أيضا. ذلك أن أسهم إيران وحزب الله سوف تتراجع تلقائيا، لأن روسيا لم تأت لكى تصبح جزءا من ديكور السياسة فى المنطقة، أو لتلعب دورا لا يتجاوز الكفيل لشخص نظام الرئيس الأسد. ولكنها جاءت لتؤدى دورا باعتبارها قوة فاعلة متجاوزة لحدودها، وتأمين الأسد ونظامه يشكل جزءا من المهمة، أو الذريعة المعلنة لها، لكنه ليس الهدف النهائى والمهمة الأصلية. وإذا وضعنا فى الاعتبار أن نظام الأسد لا يسيطر على أكثر من ٢٠٪ من الأراضى السورية، فذلك يعنى أن الروس بصدد إقامة «منطقة خضراء» للرئيس الأسد ورجاله ونظامه، مماثلة لتلك التى أقامها الأمريكيون فى بغداد، وخصصوها لرموز النظام العراقى وأجهزته الحيوية.
ليس مستبعدا أن ترحب الأقليات بالحماية الروسية لأسباب مفهومة، وهى معذورة فى ذلك لا ريب، بعد الذى أعلن وشاع عن ممارسات داعش وأخواتها بحق غير المسلمين. كما اننا لا نستبعد أن تتقارب فصائل المقاومة من بعضها البعض لتصطف فى مواجهة العدو المشترك الذى قدم لحماية الخصم الأصلى المتمثل فى الأسد ونظامه.
ورغم أن التركيز الروسى منصب على الغارات، إلا أننا تعلمنا من تجربة الحرب فى اليمن أن الغارات لا تكفى فى حسم أى معركة، ولأنه لا بديل عن مشاركة القوات الأرضية. لذلك ليس مستبعدا أن تطلق يد الروس فى شن الغارات، وان يعتمد فى المعارك الأرضية على الجيش السورى المنهك إضافة إلى القوات الإيرانية وعناصر حزب الله والميليشات الأخرى التى قيل إنها جاءت من العراق واليمن.
لا نستبعد أيضا أن يقوى الوجود الروسى من ساعد فصائل المقاومة التى قد تجذب آخرين من خارج البلاد، بدعوى أن روسيا اصطفت إلى جانب الدولة الشيعية والنظام العلوى، فى مواجهة تطلعات القوى السنية، وليس ذلك مجرد تخمين أو افتراض لأن الدول الداعمة للمقاومة السورية تحدثت عن تعزيز مساعداتها لمواجهة التدخل الروسى المزود بالسلاح الحديث. وإذا ما تحقق ذلك فإن التصعيد العسكرى سيكون حتميا، كما ان الخسائر البشرية والضحايا من المدنيين سيتضاعف أعدادهم.
لأن روسيا لم ترسل قواتها لكى تكتفى بمهمة كفالة حماية نظام الأسد، فليس مستبعدا أن تقوم بدور إيجابى فى الأزمة اليمنية، ومعروف أن موسكو كانت طرفا داعما لدولة الجنوب إبان الحقبة السوفييتية. كما ان وفدا يمثل الرئيس السابق على عبدالله صالح زار موسكو قبل عدة أسابيع، من ثم فعلاقة الشراكة التى نسجت بين طهران وموسكو لحماية نظام الأسد مرشحة لأن تسهم بدور فعال فى التعاطى مع الملف اليمنى الذى تتولى فيه طهران مساندة الحوثيين.
لئن بدا أن التدخل الروسى قلب الطاولة فى المنطقة كما يقال، فذلك تقرير مشهد البدايات، أما المآلات والنهايات فإنها تظل مفتوحة على جميع الاحتمالات، وذلك شأن الحروب دائما، قد يتم التحكم فى رصاصاتها الأولى لكن مصير الرصاصات الأخيرة لا يمكن ضمانه، حيث يظل دائما فى علم الغيب. وقد يسفر عما لم يخطر على البال فى البدايات.