بلاها لحمة

بلاها لحمة

المغرب اليوم -

بلاها لحمة

فهمي هويدي

العنوان أعلاه ليس لى، ولكنه شعار لحملة أطلقها أبناء أسوان لمقاطعة «اللحمة» وتحدى جشع التجار الذين صاروا يرفعون أسعارها كل حين. وسواء كانت البداية بمبادرة شخص أو توافق عدة أشخاص فالشاهد أنها ما إن اطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعى حتى أحدثت صداها فى المجتمع المحلى، فتجاوب معها كثيرون، وصارت خبرا نشرته جريدة «الشروق» فى عدد ٤/٨. النتيجة لم تعرف بعد وهى مهمة لا ريب، لكن الفكرة هى الأهم، وهى تعبر عن مؤشر للحيوية يستحق الحفاوة والتقدير. ذلك أننا عادة ما نشكو من سلبية الناس وغياب المبادرات الشعبية. وهى الظاهرة التى خلفتها عقود تهميش المجتمع وتضخم دور السلطة التى نصبت نفسها حينا من الدهر باعتبارها القدر المكتوب وصانع المصير الذى تطلق يده فى الأمر والنهى. الأمر الذى أدى إلى انسحاب المجتمع من المجال العام بصورة تدريجية. ومن ثم تعطلت لديه ملكة الإرسال وشاع بين شرائحه أن دورها مقصور على الامتثال والاستقبال. وهى الظاهرة التى تضخمت بمضى الوقت بحيث صرنا بإزاء مجتمع الرعايا الذين تسوقهم السلطة محتكرة القرار وليس مجتمع المواطنين الذين يتدالون على السلطة ويشاركون فى صناعة القرار. وفى هذه الأجواء أعيدت صباغة المفاهيم والقيم السائدة، بحيث أصبح الانصياع والصمت والخوف وإعذار السلطة وتبرير ممارساتها من الفضائل التى تحمد فى «المواطن الصالح».

شباب أسوان الذين أطلقوا مبادرتهم كسروا القاعدة وقرروا ان يتبنوا موقفا شجاعا وحازما فى مواجهة التلاعب والجشع. لم ينتظروا توجيها من السلطة أو تنسيقا مع الأمن ولم يتحدثوا عن رعاية من أى مسئول فى الدولة، وتخيروا قضية اجتماعية تهم كل بيت فى أسوان وفى مصر كلها، ومن ثم خاضوا معركتهم ضد جشع التجار. وكان جيدا ومثيرا للإعجاب أن محافظ أسوان السيد مصطفى يسرى شجع الحملة وأعلن تضامنه معها، حيث ذكر الخبر المنشور انه بدوره قرر مقاطعة اللحوم البلدية فى الفترة المقبلة. مما ذكر فى هذا السياق ان المحافظ فور بدء الحملة أجرى اتصالا مع قائد المنطقة الجنوبية العسكرية لدعم المحافظة باللحوم الداجنة والبلدية من خلال جهاز الخدمة الوطنية، حيث قامت القوات المسلحة بتوريد ١٥ طنا من الدواجن وخمسة أطنان من اللحوم إلى المحافظة، لتباع بنفس الأسعار المدعمة والمخفضة التى كان معمولا بها خلال شهر رمضان. وستتم عملية البيع من خلال منافذ القوات المسلحة تحت إشراف قطاع أسوان العسكرى، وهو الدعم الذى يفترض أن يستمر خلال الفترة المقبلة.

ما جرى فى أسوان يستدعى عدة ملاحظات منها ما يلى:
< أنه يذكرنا بأن فكرة المبادرات الشعبية لم تندثر تماما فى مصر، لكنها تحتاج إلى تشجيع فى بيئة مواتية يستحضر فيها دور المجتمع الفاعل من خلال المجالس النيابية والنقابية والمحلية مثلا، إلا أن قبضة السلطة المركزية والتوجس الأمنى يشكلان عقبتين أساسيتين فى ذلك.
< أن دور محافظ أسوان مقدر لا ريب، لكننى أسجل تحفظا على إشغال القوات المسلحة بتوريد اللحوم والدواجن من خلال المنافذ التابعة لها. وأنه يحمد ذلك الدور لكننى أخشى أن يؤدى التوسع فيه إلى صرف انتباه القوات المسلحة عن واجبات أساسية تعد لها ولا بديل عنها إزاءها، فى حين أن حكاية توزيع اللحوم والدواجن يمكن ان تنهض بها جهات أخرى مثل المجمعات الاستهلاكية، التى تعد تلك المسألة فى صلب مهماتها.
< بالمناسبة فإننا فى غمرة الأحداث المحيطة نسينا أو تجاوزنا فكرة المجتمع المدنى الديمقراطى الذى كان عنوانا رئيسيا ومهما فى الفضاء السياسى المصرى خلال السنوات الأخيرة. ورغم ان هذا الموضوع لم يعد يثار فى خطاب أغلب المثقفين المصريين لأسباب مفهومة، فإن ما حدث فى أسوان ذكرنا بالفكرة، وبالدور الذى يتعين أن يقوم به المجتمع من خلال مؤسساته لصناعة حاضره ومستقبله. ورغم تواضع الرسالة التى تلقيناها من أسوان فى هذا الصدد، فإنها تظل بمثابة ضوء مرسل من أقصى صعيد مصر يذكرنا بما نسيناه. وهو ما قد يسوغ لنا أن نقول بأن ما توقعناه من القاهرة جاءته أسوان وما تجاهلته حسابات النخبة ظل حيا فى قاع المجتمع.
< لا أستطيع أن أكتم ملاحظة أخيرة تتعلق باستقلال الثروة السمكية فى مصر، خصوصا أن أسوان مطلة على بحيرة ناصر التى قرأنا أن الأسماك الوفيرة توحشت فيها حين لم تجد من يصطادها، كما أن المرء لا يستطيع أن يخفى استغرابه حين يعلم ان المملكة المغربية التى لا تتجاوز شواطئها على البحر ثلاثة آلاف كيلومتر تصدر للعالم الخارجى أسماكا بقيمة ثلاثة مليارات دولار سنويا، فى حين أن مصر التى تمتد شواطئها بطول ١٢ ألف كيلومتر تعانى أزمة فى اللحوم وتستورد أسماكا وحيوانات بحرية أخرى من مستنقعات بعض الدول الآسيوية.

لشباب أسوان علينا حق الشكر لما فعلوه ولما ذكرونا به، وليتهم يواصلون إثبات حضورهم بمبادراتهم وهو ما قد يسوغ لنا أن نقول بأن الله يضع سره فى أبعد خلقه (عن القاهرة).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاها لحمة بلاها لحمة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib