فهمي هويدي
أثارت الصورة عندى ملاحظتين، إحداهما تتعلق بالمعلومات والثانية تنصب على التحليل والتعليق. إذ ليس صحيحا الخبر الذى ذكر أن الحزب فقد أغلبيته فى البرلمان، لانه لا يزال محتفظا بالأغلبية، حيث فاز بـ ٢٥٨ مقعدا من بين ٥٥٠ مقعدا للمجلس. لكنه فقد الأغلبية المطلقة التى تسمح له بالانفراد بتشكيل الحكومة، ولذلك تعين عليه ان يشرك غيره من الأحزاب فى تشكيلها، لأول مرة منذ عام ٢٠٠٢، بكلام آخر فإن حزب العدالة والتنمية لايزال الأول الذى يحظى بتأييد أغلبية الشعب التركى. والأصوات التى خسرها الحزب لم تذهب إلى منافسيه المتحالفين تاريخيا مع العسكر والشرطة (حزب الشعب اليمينى وحزب الحركة القومية المتعصب للطورانية والأقرب إلى اليسار)، إذ حصل الحزبان على نفس الأعداد التى صوتت لهما فى مرات سابقة، لكنها ذهبت أساسا إلى الحزب الكردى (الشعوب الديمقراطى) الذى سمح له بالمشاركة فى الانتخابات لأول مرة فى التاريخ التركى، وكان من الطبيعى أن يحصد أصوات الأكراد (عددهم أكثر من ١٥ مليونا) خصوصا أنهم ينتظرون تلك اللحظة ويحلمون بها منذ تأسست الجمهورية فى عشرينيات القرن الماضى.
فى تحليل النتائج تبرز أمام الباحث المعالم التالية:
- إن الانتخابات تمت بنزاهة وحرية لا يستطيع أحد أن يشكك فيهما. الأمر الذى يعنى أن الحرص كان شديدا على الاحتكام إلى قواعد وقيم الممارسة الديمقراطية. كما يعنى أن الكلام الذى روجته بعض المنابر التى تحدثت عن الديكتاتورية والتلاعب والتزوير كان من قبيل الكيد والتشويه المتعمد.
- إن قطاعات من الشعب التركى عارضت مشروع أردوغان الذى أراد به التحول إلى النظام الرئاسى. كما انها انتقدت بعض ممارسات حكومته، بالتالى فإنها أعرضت عن تأييد حزب العدالة والتنمية وصوتت لغيره. وربما كان أفضل تعبير عن تلك الحالة ما قاله رئيس الوزراء الدكتور أحمد داود أوغلو حين وصف الرسالة التى تلقاها حزبه من خلال النتائج تعبير عن رغبة الأغلبية فى استمرار حزب العدالة فى قيادة المسيرة مع إجراء بعض التعديلات على المسار. وهو ما يمكن اعتباره إشهارا للبطاقة الصفراء وليس الحمراء التى سبقت الإشارة إليها.
- إن العامل الحاسم فى تراجع نسبة التصويت لحزب العدالة كان دخول الحزب الكردى إلى الساحة، بدليل أن أغلب المقاعد التى فقدها حزب العدالة بالمقارنة بانتخابات عام ٢٠١١ (٦٩ مقعدا) ذهبت إلى الحزب الكردى الذى فاز بـ٨٠ مقعدا).
- إن تركيا مقبلة على مرحلة من عدم الاستقرار بسبب العقبات التى تعترض تشكيل الائتلاف الحكومى. وطبقا للدستور أمام رئيس الوزراء ٤٥ يوما لانجاز المهمة. والحزب الكردى هو المرشح الأقرب للمشاركة فى الائتلاف. وإذا فشلت العملية فإن إجراء انتخابات مبكرة سيكون الحل الأخير.
- إن حزب الرئيس أردوغان إذا كان قد خسر أغلبيته المطلقة بسبب دخول الحزب الكردى على الخط. فإنه سيدخل التاريخ من باب آخر، إذ يحسب له أنه أول من فتح باب التسوية التاريخية مع الأكراد ومن ثم منحهم فرصة مسبوقة تاريخية للمشاركة فى الحياة السياسية التى حرموا منها طويلا.
إن أهم ما ينبغى أن يعنينا فى المشهد ان الديمقراطية والشعب التركى هما الفائزان الحقيقيان فى الانتخابات. وحين تفوز الديمقراطية وتستقر قيمها فينبغى أن نهدأ بالا ونطمئن وألا نستسلم لشعورنا بالحزن والغيرة والحسد.