فهمي هويدي
واحدة من خبثاء المصريين تساءلت بعد حادث استهداف عربات السياح وقتل ١٢ من ركابها فى الصحراء الغربية قائلة: هل كان المكسيكيون الذين أصيبوا من «التكفيريين» أيضا؟ مدون آخر أقل خبثا قال انه لولا وجود المكسيكيين بين ركاب السيارات لما سمعنا بالخبر ولأدرج الحادث ضمن إنجازات حملة «حق الشهيد» التى تنفذها القوات المصرية فى سيناء. مدون ثالث قال إن الصحف أبرزت مقتل اثنين من السياح المكسيكيين وزيارة سفير بلدهم لهم فى المستشفى الذى يعالجون فيه. فى حين اعتبر قتل المصريين خبرا عاديا ومألوفا. لذلك لم يفكر أحد من المسئولين فى السؤال عن المصابين منهم أو زيارتهم. بالمقابل كانت هناك تعليقات أخرى دافعت عما جرى، استنادا إلى معلومات البيان الرسمى الذى ذكر أن السيارات دخلت منطقة محظورة، وكان طبيعيا أن يطلق عليها النار، خصوصا أن البلد فى حالة حرب. وقد رد على ذلك مدون آخر قائلا إنه كان يمكن التأكد من هويات ركابها قبل قصف سياراتهم.
كثيرة هى التعليقات التى تداولتها مواقع التواصل الاجتماعى حول الموضوع خلال اليومين الماضيين. وذلك فى أعقاب إذاعة بيان وزارة الداخلية مساء يوم الأحد الماضى ١٣/٩، الخاص بالحادث المؤسف الذى أسفر عن مقتل ١٢ شخصا وإصابة عشرة آخرين، وهو الذى ذكر أن القوات المشتركة بين الجيش والشرطة أطلقت النار عليهم بالخطأ حين دخلت سيارات الدفع الرباعى التى استقلها الوفد السياحى إلى بقعة محظور التوقف فيها، بمنطقة الواحات فى الصحراء الغربية.
تعليقات المدونين المصريين ظلت مقصورة على مواقع التواصل الاجتماعى، لم أر لها صدى أو أثرا فى الصحف القومية أو المستقلة، نظرا لحساسية مناقشة الموضوع فى أجواء الحرب على الإرهاب، التى تحولت إلى عنوان عريض لما لا حصر له من الممارسات التى اختلط فيها الحق بالباطل والمعقول باللامعقول. ومن ثم احتاج الخوض فيها إلى حذر شديد وربما عرض الجريدة والمحرر لمظان التشكيك والاتهام. ثم إن هناك اعتبارا آخر لا يمكن تجاهله تمثل فى نص قانون الإرهاب الذى يفرض على الصحف غرامة تتراوح بين ٢٠٠ ألف ونصف مليون جنيه، إذا نشرت معلومات عن أى عملية إرهابية مخالفة للبيانات الرسمية.
فى الأخبار أن الرئيس المكسيكى طالب السلطات المصرية بإجراء تحقيق شامل للتعرف على ظروف مقتل مواطنيه، كما أن بيان وزارة الداخلية المصرية تحدث عن تشكيل فريق عمل لفحص ملابسات الحادث. ومن الطبيعى فى هذه الحالة أن تتلقى السفارة المكسيكية فى القاهرة تقريرا من الخارجية المصرية حول الموضوع، أرجح أنه سيكون فى حدود بيان وزارة الداخلية المصرية. ورغم أننى وقعت على رواية لما جرى تضمنت تفاصيل مغايرة حكاها على الفيسبوك مشرف الرحلة والمترجم الذى رافق السياح، كما طالعت بيان نقابة المرشدين السياحيين، إلا أن القانون يعتبر نشر ما يخالف الرواية الرسمية جريمة، لذلك فإن بقاءها على مواقع التواصل الاجتماعى أكثر أمانا.
الملاحظة الأهم عندى أن الشق الخاص بالقتلى المصريين لن يحتاج إلى بيان، وسيظل ما ذكرته الداخلية فى صدد الحادث هو آخر كلام فى الموضوع دون شرح أو تفصيل، ذلك أن قتلى المصريين فى الظروف الراهنة إذا لم يكونوا من الجيش والشرطة. هم أرقام فقط ووصفهم بأنهم إرهابيون أو تكفيريون يظل مبررا كافيا يغلق باب مناقشة مصيرهم.
ما دفعنى إلى ذلك الاستطراد أن أسئلة أخرى ثارت عندى عندما قرأت فى خبر السياح المكسيكيين أنهم قتلوا على سبيل الخطأ. تعلقت تلك الأسئلة بما نقرؤه من أخبار بين الحين والآخر عن تصفية إرهابيين وتكفيريين. إذ عنَّ لى أن أتساءل: من الذى قرر أنهم كذلك واعتبر أنهم يستحقون القتل؟ وهل يستبعد ان يكون بينهم أبرياء قتلوا ظلما أو متهمون استحقوا عقابا دون القتل (السجن مثلا).
وأليس واردا أن يكون بعضهم قد قتل على سبيل الخطأ كما حدث فى حالة سياح الواحات؟.. وهل يمكن محاكمة المسئول فى هذه الحالة؟
إذا لم يكن هؤلاء قد قتلوا فى اشتباك بالسلاح مع القوات المصرية، فإن قتلهم فى غير ذلك يثير سؤالا آخر هو هل قتلوا لأن التقارير الأمنية وصفتهم بأنهم إرهابيون؟ أهمية السؤال تكمن فى ان التقارير الأمنية لا تعد دليلا يعتد أمام القضاء لسجن أى شخص فى الجرائم العادية، طبقا لقرار المحكمة الدستورية، فهل يقبل أن تصبح مسوغا لقتله؟
لن آسى على من يثبت أنه قتل وهو يقاوم الجيش أو الشرطة. وليس لنا أن نأسف على من يدان فى حادث إرهابى ويتقرر إعدامه بعد محاكمة تتحرى العدل الذى هو غاية القانون. وفى كل الأحوال لا ينبغى أن نتسامح أو نغفر لمن قتل جنديا أو بريئا مهما كانت هويته. لكن ان يتحول المواطنون إلى أرقام، ويقال لنا إن عدة مئات قتلوا لأن جهة ما قالت انهم إرهابيون وان مئات آخرين اعتقلوا لان الجهة ذاتها اعتبرتهم مشتبها بهم، فذلك لا يليق ولا يجوز. إذ هو يعبر عن الاستخفاف بالضحايا وبالمتلقين. فى ذات الوقت فانه إذا كان رئيس المكسيك قد طلب من مصر التحقيق فى قتل اثنين من مواطنيه فى حادث الواحات، فلا ينبغى أن يستكثر علينا أحد أن نطالب بالتعرف على ملابسات قتل مئات المواطنين المصريين ولا نكتفى بتبرير ذلك بمصطلح فضفاض وحمَال أوجه، فذلك حق ينبغى ألا نتنازل عنه، دفاعا عن إنسانية البشر وحقهم فى الحياة، وليس دفاعا عن أى جرائم نسبت إليهم.