فهمي هويدي
الأسبوع الذى مر كان كئيبا وثقيل الظل. من الناحية الحقوقية على الأقل. إذ تصادف أن الأحداث التى شهدتها مصر خلاله تحولت إلى رسائل وجرعات شبه يومية مثيرة للقلق ومشبعة بالإحباط. فقد بدأ الأسبوع وأصداء أحدث ضربة وجهت إلى صرح العدالة تتفاعل فى الأفق. ذلك أننا فوجئنا فى آخر أيام الأسبوع الذى سبقه بأن مجلس الوزراء وافق على مشروع بقانون يطلق يد القضاة فى شأن استبعاد الشهود أو استبقائهم، الأمر الذى يضيق من فرص أى متهم فى إثبات براءته. وهو ما اعتبره الأستاذ نجاد البرعى ــ الحقوقى البارز ــ «عبثا بالعدالة». وكشف لنا فيما كتبه بجريدة «الشروق» (فى ٢٣/٢) عن أن الهدف منع رقابة محكمة النقض على التزام المحاكم الأدنى درجة بقواعد المحاكمة العادلة. خصوصا أن المحكمة المذكورة قضت بإبطال أحكام كثيرة لمحكمة الجنايات ــ بعضها كان صادرا بالإعدام ــ لأن المحكمة التى أصدرتها لم تحقق أوجه دفاع جوهرية قدمها المتهمون، ومن بينها سماع الشهود. (أغلب القضايا حكم فيها استنادا إلى تحريات الأجهزة الأمنية التى لا يعترف بها كشهادات). بالتالى فلتمرير الأحكام السابقة فإن التعديل الجديد لقانون الإجراءات الجنائية (المادتان ٢٧٧ و٢٨٩) ترك أمر الاستماع إلى الشهود لتقدير القاضى. وهو ما يبعث على القلق الشديد، لأنه يهدر أهم ضمانات المتهمين أمام القضاء الجنائى. ذلك أنه يجعل الأحكام مشوبة بالقصور، وفى الوقت ذاته يغل يد محكمة النقض فى الرقابة عليها. وهو ما اعتبره الأستاذ البرعى مؤديا إلى انهيار مرفق العدالة.
فى النصف الأول من الأسبوع شهدنا حدثين موجعين. الأول عقد مؤتمر أسر المضربين عن الطعام فى السجون المصرية. والثانى الحكم الذى صدر فى قضية متظاهرى مجلس الشورى. المؤتمر الذى غابت عنه أغلب وسائل الإعلام، إن لم يكن كلها، أراد الذين نظموه أن يسمعونا صوت ذويهم الذين تمنوا أن يوصلوا مظلوميتهم وصرختهم لمن يهمه الأمر. وكان غياب وسائل الإعلام من تجليات عدم الاكتراث بالموضوع. رغم أن بعض المضربين عن الطعام أصبحوا مشرفين على الموت بعدما طالت مدة الإضراب حتى تجاوزت العام (محمد سلطان وإبراهيم اليمانى مثلا). ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعى تشير إلى ثلاثة فقط منهم (علاء عبدالفتاح ثالثهم). إلا أن المحامين يتحدثون عن أعداد أخرى من المحبوسين ظلما الذين أقدموا على الإضراب عن الطعام فى السجون البعيدة. ولكن الداخلية تحجب أسماءهم ولا تبلغ النيابة بأمرهم لإثبات حالتهم. وبهذه الطريقة يتم الضغط عليهم لإقناعهم بعدم جدوى إضرابهم. فى المؤتمر تحدث الأهالى عن تعذيب أبنائهم المضربين سواء بالحبس الانفرادى أو بالحرمان من الرعاية الطبية وغيرها من الحقوق، كما تحدثوا عما يتعرضون له من إذلال وإهانة أثناء الزيارات التى يسمح لهم بها. وبسبب التجاهل الإعلامى للحدث فإن المؤتمر بدا وكأنه صرخة يائسة فى الفضاء، تحولت إلى مداولة بين الأهالى ومخاطبة للحقوقيين المتابعين للموضوع بأكثر منه تذكيرا للرأى العام وللسلطات المعنية بما آلت إليه معركة الأمعاء الخاوية.
الحكم الذى صدر فى قضية مجلس الشورى جاء صادما من أكثر من وجه. فجريمة المتهمين أنهم كانوا قد نظموا مظاهرة سلمية فى شهر نوفمبر عام ٢٠١٣ اعتراضا على المحاكمات العسكرية فألقى القبض عليهم وقدموا إلى إحدى دوائر الإرهاب بعدما اتهموا بالتظاهر والبلطجة والاعتداء على الشرطة و... و... إلخ. ثم إن الحكم قضى بسجن اثنين منهم مدة خمس سنوات وسجن ٢٣ آخرين ثلاث سنوات، مع غرامة ١٠٠ ألف جنيه لكل واحد. مع إخضاعه للمراقبة طوال مدة تعادل فترة سجنه. الاثنان هما علاء عبدالفتاح وأحمد عبدالرحمن، والأخير حارس أمن كان مارا بالمصادفة فوجد الشرطة تعتدى على فتاتين، وكأى صعيدى شهم فإنه حاول الدفاع عنهما، وخاطب أحد المدنيين الواقفين معاتبا، وتبين أن الرجل ضابط أمن ألقى القبض عليه وحوله لمتهم، حكم عليه بالحبس ٥ سنوات من جراء ذلك! ــ لأنها لم تكن الصدمة الأولى، فإن المشهد لم يحرك شيئا فى مياهنا الراكدة، رغم أن ١٥ منظمة حقوقية انتقدت الحكم واعتبرته عدوانا على الحقوق والحريات وانتهاكا لمنظومة حقوق الإنسان.
فى منتصف الأسبوع أطلت علينا مفاجأة أخرى أكبر. إذ صدر قانون الكيانات الإرهابية الذى فتح الباب لاتهام أى مواطن أو فئة بالإرهاب إذا أقدم على فعل من شأنه إلحاق الضرر بالبيئة أو المواد الطبيعية أو تسبب فى تعطيل المواصلات العامة أو المؤسسات التعليمية (الجامعات) أو الإخلال بالنظام العام أو السلام الاجتماعى أو أضر بالوحدة الوطنية أو الأمن القومى.. إلخ. وإذا ما أدرج الشخص أو الجهة فى قائمة الكيانات الإرهابية، وقبل أى تحقيق أو طعن فإن القرار يسرى لمدة ثلاث سنوات يتم خلالها حظر النشاط ومصادرة المقار وتجميد الأموال والمنع من السفر. وبمقتضى نصوص القانون الفضفاضة فإن أى تحرك مجتمعى سلمى يمكن تصنيفه باعتباره عملا إرهابيا. الذى لا يقل خطورة عن ذلك أن صياغة القانون بالصورة الفضفاضة سابقة الذكر تسوغ الحكم ببطلانه. وذلك ما قررته المحكمة الدستورية العليا فى حكمين شهيرين لها صدرا عام ١٩٩٣ و١٩٩٤. إذ انتقدت الاستناد إلى العبارات المطاطة مثل النظام العام والسلام الاجتماعى والوحدة الوطنية. ودعت إلى ضرورة انضباط النص الجنائى لقطع كل جدل فى شأن حقيقة محتواه بما يحول دون تطبيقه بصورة انتقائية من جانب رجال السلطة، الأمر الذى يهدد الحرية الفردية ويهدر قيمة العدالة.
فى النصف الأخير من الأسبوع نقلت إلينا وسائل الإعلام ثلاثة أخبار رفعت منسوب الحزن والإحباط. الخبر الأول أنه تم تجديد حبس الفتى محمود محمد (١٥ سنة) الذى تم اعتقاله منذ أكثر من عام لمجرد أنه ارتدى قميصا (تى شيرت) كتبت عليها عبارة «وطن بلا تعذيب». الثانى أن محاميا اسمه كريم محمد حمدى ألقى القبض عليه يوم الأحد وحقق معه فى قسم المطرية بالقاهرة يوم الاثنين ونقلت جثته يوم الثلاثاء إلى المشرحة بعدما تسبب التعذيب فى قتله. ولقى نفس المصير زميل له فى الزنزانة اسمه عماد العطار قيل إنه من جماعة الإخوان. نقابة المحامين قدمت بلاغا إلى النائب العام بخصوص قتل المحامى كريم، ووزارة الداخلية أوقفت اثنين من ضباط الأمن الوطنى بقسم المطرية على ذمة القضية. ويوم الخميس أصدر النائب العام بحظر النشر فى القضية. الخبر الثالث أن يوم الخميس شهد سبعة انفجارات فى محافظة الجيزة، أدت إلى مقتل عامل وإصابة عشرة أشخاص.
هل يمكن أن يصبح ذلك أسبوعا استثنائيا ووجعا عارضا؟