المجتمع متفرجا

المجتمع متفرجا

المغرب اليوم -

المجتمع متفرجا

فهمي هويدي

 

لا أجدها شطارة ولا شهامة أن يمتدح الوزير حين يعين فى منصبه ثم يهان عند خروجه من الوزارة. ذلك أن أحدا لم يذكر الوزراء الذين خرجوا فى التعديل الأخير، الذى أدخل على تشكيل الحكومة المصرية يوم الخميس الماضى (٥/٣) سوى رئيسها المهندس إبراهيم محلب، الذى أعرب عن تقديره لهم. باستثناء ذلك فإن وسائل الإعلام المقروءة على الأقل تنافست فى التدليل على فشل أولئك الوزراء فى مهامهم، حتى إن إحدى الصحف ذكرت أن وزير الزراعة الذى خرج من التشكيلة تبنى سياسة معادية للفلاحين. صحيح أن وزير الداخلية (السابق) كان أكثر الوزراء تعرضا للنقد من جانب وسائل الإعلام، بسبب تعدد الحوادث الإرهابية وفشله فى وقف العنف، إلا أن خروج بقية الوزراء كان مفاجئا بدرجة أو أخرى. وإذا كان وزير السياحة قد رشح لمغادرة منصبه منذ حذف اسمه من الوفد، الذى سافر مع الرئيس السيسى إلى الصين، إلا أن الأمر نسى بعد ذلك، بدليل أن الرجل واصل عمله. وحين تقرر تعيين وزير آخر مكانه، كان الرجل فى مهمة بألمانيا، وتم استدعاؤه فجأة فقطع رحلته وعاد إلى القاهرة.

وإذا كان الأمر مفاجئا بالنسبة لنا إلا أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لدوائر السلطة العليا، إذ من الواضح أن الأمر كان محل دراسة من جانب ما يسمى الأجهزة السيادية، وقد نشرت إحدى الصحف فى شهر يناير الماضى أن التقارير السيادية أوصت بتغيير ٩ وزراء. وظل الأمر محل تكتم طول الوقت إلى أن فوجئنا به ظهر يوم الخميس.

المفاجأة هنا لها أكثر من دلالة. ذلك أنها تعبر عن مدى اتساع الفجوة بين السلطة والمجتمع. فضلا عن أنها كاشفة عن مدى الغموض الذى تتسم به دائرة صنع القرار فى مصر. فالسلطة أو الأجهزة السيادية هى التى ترشح الوزراء. وهى التى تراقب أداءهم وتقيم عملهم. وهى التى تحدد بعد ذلك من هو جدير بالاستمرار فى منصبه ومن يتعين عليه أن يغادره ليحل آخر محله. وفى كل ذلك المجتمع بعيد كل البعد، خصوصا أنه لا توجد مؤسسة شعبية منتخبة تحاسب الوزراء. فضلا عن مناقشة كل منهم فى برنامجه عند تعيينه، كما يحدث فى العديد من بلاد الدنيا. وبسبب عزلة المجتمع وخروجه من دائرة الاختيار أو الرقابة. فإن هذه المراحل كلها تظل مثيرة لدرجات متفاوتة من اللغط والشائعات، التى تلجأ إلى تفسير غوامض المشهد وألغازه.

عندى نقطة أخرى تتعلق بمعايير محاسبة الوزراء أسجلها، منبها إلى أننى لا تربطنى أية علاقة بأحد من الذين خرجوا أو الذين دخلوا. ذلك أن الوزير فى قراراته الرئيسية لا يتصرف بوحى من خبرته أو مزاجه الخاص، لكنه ينفذ سياسة الحكومة. وحين يقال عن وزير الزراعة مثلا إنه كان «معاديا للفلاحين»، فذلك إذا صح، فإنه يصبح ادعاء يتهم الحكومة وليس الوزير. من ناحية أخرى فإن بعض الوزراء يحاسبون على فشلهم فى مهام تتجاوز حدود اختصاصهم. فحين يقال إن وزير الداخلية فشل فى وقف الإرهاب، فإن ذلك يفترض أن الداخلية وحدها هى المسئولة عن مواجهة المشكلة. علما بأنه لم يعد سرا أن الأمر أكبر بكثير من حدود الداخلية وقدراتها، وتتحمل السياسة المسئولية الأكبر عن تفاقم الإرهاب أو تراجعه.. إلخ. وما قيل عن وزير الداخلية ينسحب بذات القدر على وزير السياحة، لأن تراجع السياحة فى مصر لا ينبغى أن يحمل على وزارة السياحة وحدها، لأن استقرار الأمن وحل مشكلة الإرهاب من الشروط الأساسية لجذب السياح وإنعاش ذلك القطاع المهم. لذلك فإن الحديث عن فشل وزير السياحة فى مهمته يغدو ظلما له وفيه من التضحية به أكثر مما فيه من إنصافه.

لا أحد ينكر أو يقلل من شأن الجهد الكبير الذى يبذله رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، لكن تقديرنا للجهد الذى يبذله لا يغير من اقتناعنا بأن العبء أكبر منه، بقدر ما أنه أثقل على من هو أكبر منه. وما لم تقم فى البلد مؤسسات مدنية تشارك فى حمل العبء، فإن دور الفرد سيظل عاجزا عن الوفاء باستحقاقات النهوض والتقدم المنشودة. ولن يتسنى لنا أن نقيم دولة المؤسسات المدنية إلا إذا تخلينا عن أسطورة التفويض ومزاعم التمسح فى أوامر الشعب. وفى الوقت نفسه طوينا صفحة الثقة المفرطة فى أدوات القوة ومؤسسات الأمن. والتزمنا بمعايير الممارسة الديمقراطية.

وهذه لا سبيل إلى إنعاشها إلا فى أجواء الحرية التى توفر للمجتمع حق المشاركة والمساءلة. فى ظل احترام القانون والدستور.

ما لم يتحقق ذلك فإننا سنظل ندور فى الحلقة المفرغة. إذ سنظل نراهن على قدرات الأفراد وأدوات السلطة وآلياتها، بحيث يحسب الفشل على الأعوان الذين يتم التضحية بهم، كلما لاحت بوادره. فى حين يضاف النجاح إلى رصيد السلطة والسلطان. وفى كل ذلك سيظل المجتمع واقفا موقف المتفرج على المواكب وهى تروح وتجىء وسط تهليل الواقفين وراء الأسوار، دون أن يفهم أحد إلى أين هم ذاهبون ولماذا. وسيظل الإعلام يؤدى دور المخدر، الذى لا هم له سوى تنويم الناس وإلهائهم، والويل كل الويل للذين يقاومون التنويم بمحاولة الإيقاظ والتنوير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجتمع متفرجا المجتمع متفرجا



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib