العدل قبل القانون

العدل قبل القانون

المغرب اليوم -

العدل قبل القانون

فهمي هويدي

صحيح أن حكم القانون شرط لقيام العدل، لكننا نخدع أنفسنا إذا تصورنا أن كل قانون يضمن لنا ذلك. ذلك أن أغلب الظلمة إن لم يكن كلهم مارسوا عسفهم بالقانون وبالقضاء أيضا. لذلك ينبغى أن نتروى ونحذر من المطابقة بين العدل والقانون، بحيث نعتبر أن العدل غاية والقانون وسيلة لا تحقق الغاية إلا بشروط معينة تستلهم فيها قيم العدالة قبل نصوص القانون. تلك إحدى الخلاصات التى طرحت أثناء مؤتمر حول العدالة فى العالم العربى عقد فى عمان خلال الأسبوع الماضى (من ٦ و٨ أكتوبر)، بدعوة من منظمة «الاسكوا» التابعة للأمم المتحدة. كان المؤتمر بداية لاجتماعات المجلس الاستشارى للتقرير الذى ضم ثلاثين عضوا من مختلف أنحاء العالم العربى، بينهم خمسة من المصريين كنت واحدا منهم.

كانت تلك جولة أولى فى اجتماعات المجلس يفترض أن تعقبها جولات أخرى لمناقشة مختلف فصول التقرير التى تعالج العدل الاجتماعى والسياسى وأسباب غيابه سواء كانت راجعة لعوامل داخلية أم خارجية، لينتهى بالتوصيات والمقترحات التى يفترض أن تساهم سواء فى حل المعضلة أو التخفيف من آثارها. بالتالى فما ذكرته مجرد لقطة من المؤتمر الذى قيل فيه كلام كثير له أهميته فى مختلف عناوين الموضوع. إلا أنه لم يتبلور بعد بصور نهائية لأن ما كان بين المشاركين مجرد مسودة أقرب إلى «خريطة الطريق» للاهتداء بمحاورها فى مناقشة الموضوع. وكان رصد الخلفيات وضبط المصطلحات والمسارات مهما فى تلك الجولة، سواء فيما خص مفهوم العدل، والتمييز بينه وبين المساواة، باعتبار أن المساواة ضرورية فى المواطنة والحقوق الأساسية. فى حين أن العدل بمفهوم الإنصاف يقتضى أن تختلف الحظوظ باختلاف الوظيفة والمركز القانونى. ثم كان التطرق ضروريا إلى تحرير العلاقة بين العدل والقانون من ناحية وبينه وبين القضاء من ناحية ثانية. وتلك كانت مسألة مهمة للغاية بعدما شاعت الممارسات التى وظفت القانون وكذلك القضاء لتكبيل المجتمع وملاحقة النشطاء والتنكيل بهم.

حين أتيح لى أن أناقش هذه النقطة الأخيرة قلت إنه لا سبيل إلى إقامة العدل فى غياب الحرية والديمقراطية. وأى مراهنة على تحقيق العدالة فى ظل ذلك الغياب لابد أن تكون خاسرة فى نهاية المطاف. قصدت بالحرية والديمقراطية حق الناس فى التعبير وتشكيل الأحزاب وانتخابات النقابات، إضافة إلى نزاهة الانتخاب والفصل بين السلطات وغير ذلك من الركائز المتعارف عليها فى المجتمعات الديمقراطية التى يتمتع الناس فيها بحقهم فى المشاركة والمساءلة وتداول السلطة، ذلك أن هذه الأجواء التى تستحضر قوة المجتمع وحدها الكفيلة بالحيلولة دون التلاعب بالقانون أو بالقضاء.

تحدث بعض المشاركين عن أن القانون والقضاء فى بلدانهم صارا من أدوات السلطة فى إشاعة الظلم. فأصبح القانون قيدا على الحريات العامة وصار القضاء سوطا للسلطات فى وجه المعارضين، حين فقد استقلاله وأصبح القضاة يصدرون أحكامهم بما يخدم الهوى السياسى، كما سعت بعض الأنظمة إلى تعيين ضباط الشرطة فى سلك النيابة العامة، الأمر الذى يسمح لهم بالتدرج فى الوظائف بحيث يعتلون منصة القضاء فى نهاية المطاف يأتمرون بأمر السلطة وينفذون لها سياساتها.

إزاء ذلك ذهبت إلى أن قضية الديمقراطية هى الأولى بالمناقشة، لأنها تشكل المفتاح الأساسى لإقامة العدل. كانت فى ذهنى طول الوقت العبارة التى جعلها ابن خلدون عنوانا لأحد فصول مقدمته، وقرر فيها أن الظلم مؤذن بخراب العمران. واعتبرت أن الظلم فى هذا السياق ليس نقيضا للعدل فحسب، ولكنه بالدرجة الأولى تعبير عن الاستبداد.

ليس هذا آخر كلام فى الموضوع، لأن الصياغة الأخيرة لتقرير العدالة يفترض أن تنتهى فى العام المقبل، وحينئذ يكون لنا كلام آخر فى قضية العدل الذى نسمع عنه كثيرا فى العالم العربى، لكننا نادرا ما نرى شواهده وتجلياته. لست أدعى أن الوضع سيختلف بعد صدور التقرير، لأن غاية المراد من التقرير أن يسجل موقفا يحفظ للعدل مكانته المهدرة ويبقيها حية فى الوعى والذاكرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدل قبل القانون العدل قبل القانون



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib