فهمي هويدي
حدثنا الرئيس السيسى فى المهم وسكت عن الأهم. ذلك أنه فى خطابه مساء الثلاثاء (١٢/٥) ركز على قضايا مواجهة الإرهاب والفساد والآمال المعلقة على الإنجاز خلال السنتين المقبلتين. ولا يستطيع المرء أن يفضل بين العناوين التى اختارها، التى تمس أوتارا حساسة لدى الجماهير وبين الأجواء الراهنة فى مصر.
التى يخيم عليها القلق والتوجس بسبب تزايد ضغوط الأعباء المعيشية والضباب الذى يحيط بآفاق المستقبل. وأغلب الظن أن الرئاسة تلقت أصداء ذلك القلق، الأمر الذى دفع الرئيس إلى العودة إلى مخاطبة الجماهير، وفاء بوعده الذى أعلنه فى ٢٢ فبراير الماضى حين أعلن أنه سيقدم كشف حساب إلى الأمة مرة كل شهر، وإذ حالت شواغله وارتباطاته دون ذلك خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فبوسع المرء أن يستنتج أن طنين القلق الذى علا صوته فى الفضاء المصرى دفعه إلى الخروج على الناس ببيانه الأخير. لذلك أزعم أن الموضوعات التى أثارها ليست مهمة وحسب، ولكن توقيتها مهم أيضا.
سمعنا فى حديثه الذى بثه التليفزيون كلاما طيبا ومتفائلا عن الكهرباء والغاز وانجازات الحفر فى قناة السويس، إضافة إلى مشروعات الإسكان واستعدادات رمضان ومنافذ البيع التى جهزتها القوات المسلحة وتوزيع رءوس الماشية على سكان القرى الفقيرة...إلخ. إلا أننا لم نسمع شيئا عن مستقبل المسار الديمقراطى والحريات العامة وموعد إجراء الانتخابات التشريعية الذى تأجل عدة مرات.
وإذا جاز لى أن أقارن بين الملفات التى تحدث عنها الرئيس السيسى وتلك التى سكت عنها فلعلى أقول إن الأولى تتعلق باحتياجات الإنسان والثانية تتعلق بكرامته. والأولى مهمة لا ريب لأن بغيرها يستحيل استمرار الحياة، أما الثانية فهى أهم لأنها وحدها التى تميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات. أدرى أن دولا أخرى شقيقة وحليفة أنجزت الكثير على صعيد توفير احتياجات الناس ورفاهيتهم،
فى حين أغلقت تماما ملف الديمقراطية والحريات العامة. إلا أن مشاعرنا إزاء تلك الدول لا ينبغى أن تتجاوز حدود الاحترام إلى الاحتذاء. صحيح أن ثمة خطوات جارٍ اتخاذها من جانب السلطة فى مسألة التحضير للانتخابات التشريعية إلا أن ثمة غموضا فى تلك الخطوات أدى إلى تباطؤها، حيث لايزال الخلاف قائما حول تقسيم الدوائر وحول قانون الانتخابات ذاته. لكن الأسوأ من ذلك انه فى الوقت الذى تتسم فيه إجراءات إجراء الانتخابات بالغموض والبطء، فإن شكوى الحقوقيين من تنامى مؤشرات انتهاكات حقوق الإنسان والعدوان على الدستور تتعالى حينا بعد حين. وهو أمر محير ومثير للبلبلة، حيث يبدو التحضير للانتخابات ماضيا فى اتجاه، فى حين تمضى الممارسات الحاصلة على أرض الواقع فى اتجاه معاكس تماما.
إن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة المنشورة تسلط أضواء كاشفة على الوجه المسكوت عنه فى ممارسات الأجهزة الأمنية، وذلك يرفع من مؤشرات القلق لا ريب، كما انه يسحب الكثير من رصيد الثقة فى المستقبل الذى حاول خطاب الرئيس السيسى أن يطمئننا إليه. إلا أن القلق يتحول إلى انزعاج وخوف على المستقبل إذا صح ما نشر عن موقف جهاز الأمن الوطنى إزاء قضية الحريات ومجمل الوجع الذى تعانى منه البلاد. أتحدث عن التقرير الذى نشرته جريدة «الشروق» أمس (١٣/٥) واعتبرته انفرادا، وكان موضوعه الأساسى هو تقييم جهاز الأمن الوطنى للوضع الراهن فى مصر.
ينطلق التقرير من التحذير من مخطط خارجى لإثارة الاضطرابات فى مصر. والأدوات المستخدمة لتنفيذ ذلك المخطط تشمل شخصيات عامة ومنظمات مدنية وأخرى حقوقية، إضافة إلى نشطاء يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى، وصفهم التقرير بأنهم أخطر على مصر من «الإرهاب الأسود».
عارض التقرير فى توصياته الإفراج عن النشطاء السياسيين فى الوقت الراهن، «لأن تخفيف القبضة الأمنية سيفتح شهية هؤلاء للعودة للمطالبة بتعديل قانون التظاهر، وهو المطلب الذى لا يمكن ان تقبل به الأجهزة الأمنية». كما عارض ما وصف بأنه أفكار سعودية لتخفيف الضغط على الإسلاميين الذين تم توقيفهم (منذ أكثر من عام) دون أن توجه إليهم اتهامات محددة حتى الآن. والنصيحة التى قدمت فى هذا الصدد هى «أن يتم توقيف المزيد من الإسلاميين حتى يكون واضحا أننا لا نخشى شيئا».
هذا الكلام إذا صح وإذا أخذ به فهو يعنى أن مصر مقبلة على مرحلة من الاحتقان والتصعيد فى مواجهة كل قوى وعناصر المعارضة، الأمر الذى يعنى أن المواجهة والصراع لن تكون مقصورة على الإخوان ومن لف لفهم فحسب وإنما ستتجاوز تلك الحدود بحيث تصبح عنوانا للمشهد السياسى فى الفترة القادمة.
أغلب الظن أنها مجرد مصادفة، أن يوجه الرئيس السيسى خطابه يوم الثلاثاء ثم ينشر خلاصة التقرير الأمنى فى اليوم التالى، لكن السؤال المؤرق الذى يطرح فى هذا السياق هو: هل سكوت الرئيس عن الحديث عن موضوع الانتخابات والمسار الديمقراطى له صلة بهذه الخلفية أم لا؟!