إرهاب من نوع آخر

إرهاب من نوع آخر

المغرب اليوم -

إرهاب من نوع آخر

فهمي هويدي


شباب ما تخلوا شىء يحبطكم. الشعب ياما شال وكِّمل. بأيديكم سلاح اسمه إرادة الحياة. وجلادكم مش بإيده الا ان يحاول سلبها منكم. تمسكوا بها.
هذه الكلمات الـ٢٤ كتبتها الإعلامية ليليان داود على صفحتها بعد الحكم الجائر الذى صدر بحق متظاهرى قضية مجلس الشورى. وإذ جاءت الكلمات تعبيرا مهذبا عن التضامن مع الشبان الذين سجنوا وجرى تغريمهم لأنهم خرجوا فى مظاهرة سلمية نادت برفض المحاكمات العسكرية، إلا أنها استنفرت كتائب الإرهاب والإبادة المعنوية، فشنوا حملة تشهير شرسة ضدها. ورغم ان ما كتبته جاء معبرا عن مشاعر عدد غير قليل من المثقفين الوطنيين، إلا أن الضجيج الذى أحدثته رسائل عناصر تلك الكتائب جاء كاشفا عن عدة عورات تحتاج منا إلى انتباه وتدبر، الأمر الذى يدعونى إلى تسجيل أربع ملاحظات هى:
• أن الصدور فى مصر أصبحت تزداد ضيقا وليس اتساعا. ذلك ان مضى عشرين شهرا على الوضع الذى استجد منذ الثالث من يوليو ٢٠١٣ يفترض أنه اتاح فرصة كافية لهدوء الأعصاب واستعادة الثقة بالنفس. إلا أن ما حدث كان على العكس فقد أصبحت الحساسية أشد إزاء أى رأى آخر. الأمر الذى شكل مصدرا آخر لإشاعة الخوف وإرهاب المخالفين، بحيث باتوا مخيرين إذا ما آثروا السلامة ــ والأغلبية لا تريد أى مشاكل ــ بين كتمان الرأى واختزانه أو ممارسة النفاق ومسايرة المصفقين والمهللين.
• أن الحساسية لم تعد مقصورة على اتهام المعارضين وإنما طالت الموافقين أيضا، لأن انصياعهم لم يعد مائة بالمائة. وإنما تراجع بصورة نسبية لمجرد أنهم أبدوا ملاحظات أو انتقادات لبعض ممارسات النظام، رغم انهم يقفون فى صفه ابتداء. ونموذج الإعلامية ليليان داود التى لم يعرف لها أى نشاط سياسى وكانت طول الوقت فى صف النظام. ولولا ذلك لما أتيح لها أصلا أن تظهر على شاشة القناة التى تعمل بها، ولما سمح لها بأن تستمر فى تقديم برنامجها، ولواجهت ضغوطا اضطرتها إلى الاعتزال مثلما حدث مع محترمين آخرين مثل ريم ماجد ويسرى فودة، وهما من نماذج مؤيدى النظام الذين لم يحتملوا الاستمرار فى تأييده بنسبة مائة بالمائة. وأرجو أن تلاحظ أن الحرب التى أعلنها البعض على ليليان داود كانت لأنها أبدت رأيها الذى أشرت إليه فى البداية على صفحتها الخاصة، ولم يصدر عنها وهى تقدم برنامجها عبر القناة، ورغم ذلك فإن ما قالته باعتباره رأيا خاصا وفشَّه خُلق كما يقال، لم يغفر لها ولم يمنع عنها سهام التشهير والاتهام.
• إن معارضة الرأى لا تناقش محتواه، وإنما تاجأ إلى الطعن فى صاحبه ومحاولة تجريحه. أعنى أن الاشتباك لا يكون مع الموضوع ولكنه يتحول إلى محاولة لاغتيال الشخص سياسيا ومعنويا. وذلك اسلوب المفلسين الذين لا يملكون رؤية ولا حجة ولا فكرة، ولكن جعبتهم مليئة بالسباب والشتائم وباعهم كبير فى أساليب الإهانة والتجريح. وللأسف فإن مواقع التواصل الاجتماعى رغم فوائدها الجمة، فإنها وفرت لكل من هب ودب منبرا لكى يعبر عن نفسه ويدلى برأيه فى كل شىء بغير ضابط أو رابط، ودون مراعاة لأى اعتبار موضوعى أو أخلاقى. وفى الحالة التى نحن بصددها فإن الحملة التى دعت إلى ترحيل الإعلامية ليليان داود إلى بلدها الأصلى لبنان كانت من نماذج «الحوار» الذى لجأ إليه البعض لمعاقبتها على ما صدر منها.
• لا يقف الأمر عند شخصنة الحوار وتجاهل موضوعه، وإنما كان واضحا أن مستوى الشخصنة اتسم بالهبوط والإسفاف. وهذا الوصف لا ينطبق فقط على ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى، وإنما وجدت ان ما نشرته بعض الصحف كان موغلا فى إسفافه وبذاءته، على نحو فاضح ومخجل. حتى اننى شعرت بإهانة شخصية حين قرأت ما نشرته تلك الصحف فى الموضوع، إذ لم اتخيل أننى أعمل فى مهنة ينتسب إليها أمثال هؤلاء.
لا اختلف مع الغيورين الذين أحزنهم تدهور مستوى الأداء فى الإعلام المصرى. وأقف مع كل ما قيل عن انهيار القيم والتقاليد فى المهنة، وأزعم أن ذلك الانهيار لم تسلم منه أخلاقيات المهنة وبديهياتها. لكننى قد أختلف فى تحليل الظاهرة، وأزعم أن المشكلة أكبر من وسائل الإعلام التى أصبح يتحكم فيها فى مصر فريق من الدخلاء الذين لا علاقة لهم بالإعلام، ولكنهم انتسبوا إليه للاستقواء، ومن ثم حولوه من رسالة إلى تجارة. فى هذا الصدد فإننى أذكر بالدور الذى تقوم به البيئة والمناخ العام فى استدعاء تلك النماذج وتمكينها من صدارة المنابر الإعلامية ومخاطبة الرأى العام. ولئن بات معلوما ان هناك بيئة تستخلص من الناس أنبل ما فيهم وأخرى تستخرج منهم اسوأ ما فيهم، فربما كان ذلك يفسر لنا الكثير مما نقرأ ونسمع ونشاهد. ومن لديه تفسير آخر فليدلنا عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرهاب من نوع آخر إرهاب من نوع آخر



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib