فهمي هويدي
إذا جاز لى أن أضع عنوانا للأسبوع الذى مضى فأزعم أن «أسبوع الدهشة» هو الأنسب له، ذلك أنه جاء حافلا بمفاجآت محيرة. يصعب تصديقها ولا يجد المرء تفسيرا مقنعا لها. لذلك فإنها تظل واقفة فى الحلق مثيرة درجات متفاوتة من التوجس والبلبلة. لم تكن الدهشة شعورا جديدا تماما، لأن بعضها كان عن مخلفات الأسبوع إلى سبقه.
أتحدث مثلا عن خبر مصادرة أموال محمد أبوتريكة أشهر لاعب كرة قدم فى مصر والعالم العربى، وأحب اللاعبين إلى قلوب الجماهير، بدعوى أنه شريك فى ملكية شركة سياحية لها صلة بالإخوان. وهى التهمة التى نفاها الرجل وأيد كلامه بوثائق عدة، الأمر الذى دفعه إلى الطعن فى القرار أمام القضاء. ومن ثم خيمت ذيول قصته التى لم تحسم على بداية الأسبوع الذى شهد سيلا من المدهشات الأخرى. إذ فى صبيحة يومه الأول (١٦/٥) كان الحكم بالإعدام على أكثر من مائة متهم فى قضية سجن وادى النطرون، من بينهم الرئيس الأسبق محمد مرسى وعدد من قيادات الجماعة إضافة إلى عدد آخر من الفلسطينيين، أعضاء حركة حماس. وإذ أحدث قرار المحكمة بإحالة أوراق ذلك العدد الكبير من المتهمين إلى المفتى صداه الذى يعرفه الجميع داخل مصر وخارجها، إلا أن معدل الدهشة كان أكبر بالنسبة لما جرى مع الفلسطينيين الذين حكم عليهم بالإعدام. ذلك أن أحدهم (حسن سلامة) القائد فى كتائب القسام معتقل فى السجون الإسرائيلية منذ ١٩ عاما، حيث ينفذ حكما ضده بالسجن المؤبد. وهناك خمسة ماتوا أو قتلوا قبل الثورة وبعدها. ثلاثة فارقوا الحياة قبل ثورة ٢٠١١واثنان قتلهما الإسرائيليون بعد ذلك، وبدا مستغربا الزج بهؤلاء الأشخاص فى القضية والحكم عليهم بالإعدام، الأمر الذى لم يكن مثيرا للدهشة فحسب، وإنما للتندر أيضا، على نحو جعل كثيرين لا يأخذون الكلام على محمل الجد، فى العديد من التعليقات العربية والأجنبية.
وإذا كانت تلك أبرز أخبار صباح اليوم الأول فى الأسبوع، فإن أخبار المساء أضافت حدثا آخر بدا عصيا على الفهم والتفسير. ذلك أننا فوجئنا بمنع البرنامج الأسبوعى للإعلامية ريم ماجد الذى بدأت تقديمه على قناة «أون تى فى» فى بث مشترك مع إحدى القنوات الألمانية. وقالت فى حوار تليفزيونى مع الأستاذ محمود سعد أن جهة سيادية وراء ذلك القرار، وان القناة المصرية أبلغتها بذلك. وهو ما أثار نقاشا حول جهة المنع، لكن ذلك لم يغير من النتيجة (وهو ما حدث من قبل مع باسم يوسف).
بعد اليوم الأول توالت المدهشات التى باتت تطل علينا على مدى الأسبوع، وكان بينها ما يلى:
• اكتشاف قرار غير معلن بمنع سفر أساتذة الجامعات فى مهام علمية بالخارج إلا بعد موافقة أجهزة الأمن، حيث لم يعد يكتفى فى ذلك بموافقة القسم أو الجامعة. وكان قد طلب من أحد أساتذة كلية علوم جامعة القاهرة أن يستأذن الأمن ليباشر إشرافه على رسالة للدكتوراه يعدها أحد المصريين بالمجر، لكنه رفض أن يقدم الطلب احتجاجا على الإجراء الذى وصفه بأنه عودة للدولة البوليسية.
. تنفيذ حكم الإعدام فى سنة أشخاص اتهموا بالانضمام إلى جماعة أنصار بيت المقدس، فيما وصف إعلاميا بأنه خلية عرب شركس. وهو الحكم الذى أثار لغطا كثيرا بعدما ذكر المحامون أن بعضهم كان تحت الاعتقال أثناء الجرائم التى نسبت إليهم، وانتقدوا محاكمتهم أمام محكمة عسكرية وحرمانهم من ضمانات التقاضى المتعارف عليها، ومنها استئناف الحكم، وبعد تنفيذ الإعدام نشرت الصحف أن مجلس الدولة قرر تأجيل النظر فى الدعوى التى رفعها المحامون لوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بالتصديق على الحكم!
• تحت ضغط رجال الأعمال تراجعت الحكومة عن تطبيق قرارها بتحصيل ضريبة على أرباح البورصة الذى سبق صدوره فى شهر مايو من العام الماضى. وهو ما اعتبره البعض تعبيرا عن ضعف موقف الحكومة، التى تحصل الضرائب من المصنعين والمزارعين والمستهلكين والعاملين بالحكومة، لكنها تعفى مضاربى البورصة منها لمدة عامين قادمين. على صعد آخر تعالت نبرة النقد لقانون الاستثمار الجديد الذى وصفه المستشار القانونى السابق لهيئة الاستثمار د.سلامة فارس بأن به «عيوبا كارثية» (التحرير ١٩/٥) وقال ان الرئيس السيسى وقعه على سلم طائرة المؤتمر الاقتصادى. واعتبره الدكتور زياد بهاء الدين فى مقالة له بجريدة «الشروق» فى نفس اليوم بأنه «ورطة» لأنه تضمن عيوبا جوهرية. وقد حاولت الحكومة إصلاح بعضها من خلال «استدراك» نشرته بالجريدة الرسمية فارتكبت خطأ أفدح، ذلك أنها عدلت قانونا صادرا عن رئيس الجمهورية بإجراء قامت به أمانة مجلس الوزراء.
• صدور قرار محكمة استئناف القاهرة المستعجلة بحظر روابط الأولتراس التابعة لمختلف النوادى الرياضية باعتبارها جماعات إرهابية استجابة لطلب رئيس نادى الزمالك. وكانت محكمة الأمور المستعجلة قد امتنعت عن حظر الأولتراس ورفضت الدعوى فى شهر أبريل الماضى استنادا إلى عدم الاختصاص.
• صدور بيان لاتحاد طلاب هندسة عين شمس تحدث عن دخول شخص مجهول مصحوبا بأحد موظفى الكلية إلى لجنة امتحانات الدفعة الرابعة قسم كهرباء للتعرف على الطالب إسلام صلاح الدين، ومطالبته بالذهاب إلى مكتب شئون الطلاب بعد الامتحان. وحين فعل ذلك فإنه نقل إلى مكان مجهول، ثم عثر عليه مقتولا بعد ذلك، وذكرت مصادر وزارة الداخلية أنه أحد الإرهابيين، الذين تم قتلهم فى أحد الأوكار بعد تبادل لإطلاق النار. قال بيان الاتحاد أن إدارة الكلية لم تكترث بالأمر، وأنه وجد أنه أصبح عاجزا عن أن يقوم بمهمته فى الدفاع عن الطلاب بعدما أدرك أن الطالب خطف من لجنة الامتحان وانتهى فى المشرحة. إزاء ذلك فإنه لم يجد مناصا من الاستقالة والاعتذار للطلاب عن استكمال مهمته استشعارا لمسئوليته الأخلاقية أمامهم.
• آخر المدهشات التى طالعناها فى نهاية الأسبوع تمثلت فى تعيين المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة وزيرا للعدل، وهو الاختيار الذى صدم كثيرين، وأوفته مواقع التواصل الاجتماعى حقه من التعقيب الذى اكتفى به.
لن أختلف مع من يقول بأن اجتماع تلك المدهشات فى أسبوع واحد مجرد مصادفة، وأن للصورة جوانب أخرى أكثر إيجابية ـ لكن ذلك لا يلغى أن ما ذكرته يشكل أحد جوانب المشهد التى لا تخطئها العين. وهو ما يستدعى سؤالين كبيرين، أحدهما عن العقل الذى يدير المشهد، والثانى عن الوجهة التى نحن ذاهبون إليها.