الرياضة والسياسة والأمن

الرياضة والسياسة والأمن

المغرب اليوم -

الرياضة والسياسة والأمن

فهمي هويدي

لا يهم أن تفوز مصر على دول العالم فى البطولة الأوليمبية، إنما الأهم ألا تظهر إشارة رابعة العدوية فى الصور. هذه هى خلاصة الرسالة التى تلقيناها من الحملة المسعورة التى تعرض لها اللاعب محمد يوسف صاحب ذهبية بطولة العالم فى دورة الألعاب القتالية لمنافسات الكونغ فو، الذى ظهر على منصة التتويج فى سان بطرسبرج الروسية مرتديا قميصا ظهرت عليه الإشارة التى أقامت الدنيا عليه ولم تقعدها. أرجو ابتداء ألا يسألنى أحد عن الكونغ فو، لأننى بالكاد عرفت أنها رياضة قتالية صينية الأصل من عائلة الكاراتيه، وذلك ما خرجت به من سؤال أهل الخبرة فى الشأن الرياضى. أرجو أيضا ألا يفهم أن لدى أى دفاع عن تصرف الشاب، لأننى أدرك جيدا أنه أخطأ فى تصرفه، وأنه ما كان له أن يقحم الشأن السياسى فى المشهد الرياضى ولذلك فإنه يتعين أن يحاسب على خطئه، وإنما ملاحظاتى كلها منصبة على حالة الهلع والانفعال الزائد على الحد والعصبية المستغربة التى اتسم بها سلوك الأجهزة الأمنية والرياضية.(الـ.بى.بى.سى. ذكرت أنه تمت مصادرة الميدالية الذهبية التى فاز بها منه عقب وصوله للقاهرة) بل إن ذلك الهلع أصاب بعض مقدمى البرامج التليفزيونية الذين أصبحوا يتنافسون فى التعبئة والتحريض، بعدما نسوا مهنتهم الأصلية وتحولوا إلى «نشطاء» حولوا برامجهم إلى ميادين للتظاهر والهتاف اليومى. كنت قد انتقدت ذات مرة أزمة خلط الأوراق التى وقع فيها البعض، الأمر الذى جعلهم ينشغلون بمعركتهم ضد الجماعة عن إدراك المصالح الحقيقية للوطن. وتقديم الأولى على الثانية. وكتبت مقالة بهذا المعنى كان عنوانها: «إنهم يكرهون الجماعة بأكثر مما يحبون الوطن». وحين قرأت ما نشر عن قصة صاحبنا لاعب الكونغ فو قلت إنها نموذج عملى يؤيد تلك المقولة، لأن الذين أثاروا الضجيج وهللوا لإيقاف اللاعب الأمر الذى يمهد لشطبه نهائيا من سجلات اتحاد الكونغ فو، وهو ما قد يترتب عليه حرمانه من تمثيل مصر فى المحافل الدولية. وفى هذه الحالة قد تسحب الميدالية الذهبية منه، هؤلاء لم يبالوا باحتمال ألا يتاح لمصر أن تحقق فوزا مماثلا فى البطولات العالمية التى ستنظم فى الأجل القريب، وثمة واحدة منها بدأت بالفعل فى ماليزيا، ويفترض أن تستمر من 27 أكتوبر إلى 6 نوفمبر. إذ من الواضح أن الذين أثارهم تصرف اللاعب لم يكترثوا بخسارة مصر للقب وأبدوا استعدادا للتضحية ببطولة العالم فى اللعبة. وكان كل ما شغلهم هو كيفية قمع اللاعب وتأديبه لأنه فعل فعلته. المسألة ليست بسيطة كما فهمت من خبراء الرياضة الذين رجعت إليهم، لأن إعداد بطل عالمى فى أى لعبة عمل شاق يستغرق سنوات وله تكلفته العالية، ولذلك فان الدول تعتبر البطل الدولى أو الأوليمبى ثروة يتعين الحفاظ عليها، لأنه يرفع راية بلاده خفاقة فى سماء العالم. أفهم جيدا ان اللاعب كان يتعين عليه أن يحتفظ بموقفه وتحيزاته السياسية لنفسه، وأتفق تماما مع القائلين بأن السياسة لها أهلها ومجالاتها، وأنها لا ينبغى أن تتسلل إلى الفضاء الرياضى حتى لا نضيف أسبابا أخرى للمشاحنة وخلق العداوات، بل أضيف إلى ذلك أن السياسة ينبغى أن تظل بعيدة عن فضاءات الثقافة والفنون. ولنا خبرات طويلة مع روائيين وفنانين أبدعوا فى مجالاتهم، لكنهم حين انخرطوا فى السياسة فإنهم ارتكبوا أخطاء وكوارث أساءت إلى تاريخهم وشوهت صورتهم لدى محبيهم. وأنا أفرق هنا بين الرأى السياسى وبين الاشتغال بالسياسة، وأزعم أن من حق الرياضى والروائى والفنان أن تكون له آراؤه السياسية التى يفضل أن يحتفظ بها لنفسه أو أن يعبر عنها فى مجال إبداعه، لكنه يقع فى المحظور حين يعتبر نفسه ناشطا سياسيا يخوض فيما لا يجيده. قيل لى إن لاعب كرة القدم المصرى هانى رمزى المحترف فى ألمانيا نزل إلى الملعب ذات مرة وحيا الجمهور بإشارة لها مدلولها السياسى الذى أعاد إلى الإذهان حقبة المرحلة النازية. وهو تصرف كاد يودى به إلى السجن لولا أن التحقيق أثبت أنه لم يكن على دراية بعاقبة تصرفه. كما أن اللاعب محمد أبوتريكة تلقى إنذارا حين أظهر فى إحدى المباريات شعار تضامنه مع غزة. ولو أن المسئولين فى القطاع الرياضى ضبطوا أعصابهم وامتصوا انفعالهم، لاكتفوا بإنذار لاعب الكونغ فو أو أوقفوه لبعض الوقت أو حتى خصموا جزءا من مكافأته، ولمر الأمر فى هدوء واحتفظ الشاب بالإنجاز الذى حققه، وتمكن من أن يحصد لمصر جوائز أخرى فى البطولات اللاحقة. لكن من الواضح أن الحساسية المفرطة التى تجتاح مصر جعلت الأجهزة الأمنية ومسئولى قطاع الرياضة يسارعون إلى قمع الرجل واغتياله كى يسحق ويكون عبرة لغيره ولا يبقى لاسمه وجود فى ساحة اللعبة. ان إحدى مشكلات زماننا ان كثيرين من أهل الاختصاص مسئولين وغير مسئولين حين اقتربوا من عالم السياسة اختل توازنهم ونسوا الخبرات المعرفية والإنسانية التى تراكمت لديهم، وأصبحوا يتصرفون باعتبارهم رجال أمن فقط. وما حدث مع بطل الكونغ فو من ترحيل وتقريع وقمع من جانب القيادات الرياضية ليس الدليل الوحيد الذى يشهد بذلك، ولكن أحدث الأدلة التى توافرت لدينا. ترى كيف كان سيتصرف هؤلاء لو أن صاحبنا رفع صورة الفريق السيسى، وهل كان سيجرؤ أحد على محاسبته؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرياضة والسياسة والأمن الرياضة والسياسة والأمن



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib