لسانك حصانك

لسانك حصانك

المغرب اليوم -

لسانك حصانك

فهمي هويدي

خلال خمسين يوما قامت المخابرات الأمريكية بالتنصت على 70 مليون مكالمة فى فرنسا. والحاصل فى فرنسا، الذى أثار أزمة مع واشنطن، تكرر مع المكسيك وألمانيا. وطبقا للوثائق التى سربها إدوارد سنودن المستشار السابق لدى وكالة الأمن القومى الأمريكى فإن عمليات التنصت شملت مقر الأمم المتحدة وإيطاليا واليونان وكوريا الجنوبية والهند وتركيا والسعودية والعراق، ودولا أخرى فى مقدمتها روسيا والصين. الرسالة التى نتلقاها مما كشف النقاب عنه ان التجسس على المكالمات الهاتفية حتى فى البلاد الصديقة، أصبح ظاهرة عالمية تفشت فى العائلات الوطنية الكبيرة. وإذا كانت الولايات المتحدة تقوم بدور «ريادى» فى ذلك، باعتبارها القوة الأعظم التى لاتزال تعتبر نفسها معرضة للتهديد منذ أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، فذلك لا يعنى ان الدول الأخرى ليست ضالعة فى عملية التنصت، وكل الذى حدث ان المعلومات التى توافرت لنا جاءتنا من أحد مستشارى وكالة الأمن القومى الأمريكى، ولو ان نظيرا له من العاملين فى المؤسسة الأمنية البريطانية أو الفرنسية استيقظ ضميره وقرر ان يبوح بما يعرفه فى هذا الصدد، لكشف لنا عن ان بلاده تقوم بنفس ما تفعله الولايات المتحدة فى المناطق التى تدخل فى نطاق اهتمامها. هذا الذى يحدث فى العالم الخارجى ليس بعيدا عنا تماما، ليس فقط لأننا ندمن اقتباس أسوأ ما فى الغرب خصوصا فى مجالات تقييد الحريات العامة، ولكن أيضا لأن نفوذ الدولة الأمنية فى العالم العربى فى تنام مستمر. وربما كان التقدم الحقيقى الحاصل فى ذلك الجزء من العالم يكاد يكون محصورا فى تلك الدائرة. ولا تنسَ ان مؤتمر وزراء الداخلية العرب ظل طوال الثلاثين أو الأربعين سنة الأخيرة هو أنجح وأنشط مجالات العمل العربى المشترك. وهو الوحيد الذى لم يتأثر بالتقلبات والتجاذبات التى مرت على العالم العربى. رغم ان الأجهزة والمهام واحدة، إلا أن هناك أكثر من فرق مهم بين التنصت الذى يمارس فى الدول الديمقراطية وبين نظيره الذى يحدث فى بلادنا، أحد تلك الفروق ان التنصت عندهم يحمى مصالح الأوطان بالدرجة الأولى، اما عندنا فهو مكرس لحماية الأنظمة وتأمين الزعامات والأسر الحاكمة. من الفروق أيضا ان التنصت له قواعده النظامية، بمعنى انه لا يمارس ضد المواطنين إلا بعد موافقة وإقرار الجهات القضائية فى حين أنه يتم فى بلادنا بقرار أمنى يغطى لاحقا بالموافقة القضائية إذا لزم الأمر. الفرق الثالث انه فى الدول الديمقراطية هناك مؤسسات يمكن ان تحاسب السلطة أو المؤسسة الأمنية إذا ما تجاوزت حدودها، أما فى بلادنا فكلام السلطان لا يرد، وقرار المؤسسة الأمنية هو سيد قرارات البلد. موضوع التنصت على الهواتف فى مصر معمول به منذ قامت ثورة يوليو 52، وان اختلفت درجته ومقاصده من عهد إلى عهد. وقد سمعت من وزير داخلية أسبق ــ لايزال حيا يرزق ــ ان أجهزة التنصت بوزارة الداخلية كانت تعد فى ظل نظام مبارك تقريرا يوميا من ثلاث نسخ تفرغ فيه خلاصة عملية التنصت. واحدة تذهب إلى الرئيس والثانية لابنه جمال والثالثة للهانم (قرينة الرئيس). ولا أعرف إلى من توجه حصيلة عملية التفريغ فى الوقت الراهن، وان قيل لى إن عملية التنصت التى نشطت واتسع نطاقها بعد الثالث من يوليو انتقلت من وزارة الداخلية إلى جهة سيادية أخرى فى ظل التغير الذى حدث فى موازين القوى الأمنية الداخلية. ان التقدم العظيم فى ثورة الاتصال. استصحب انتقاصا عظيما من خصوصية البشر، وذلك الانتقاص يبلغ ذروته فى الدول غير الديمقراطية التى تغيب فيها الضمانات والمؤسسات التى تصون الحريات العامة. حيث يصبح التنصت على ما يقوله الناس على رأس المهام التى تقوم بها الأجهزة الأمنية. ذلك حاصل فى العالم العربى بوجه أخص، الذى تقيد فيه حرية الحركة والفعل السياسى، ولا يكون أمام الناس من خيار سوى ان يطلقوا ألسنتهم بالقول، ناسين ان ثمة رقيبا من بنى الإنس بات يرصد ما ينطقون أو يهمسون. فامسك عليك لسانك يرعاك الله، لأنك إذا نسيت أن ثمة أذنا ثالثة تستمع وتسجل كل ما تقوله، فذلك يعنى انك لا تعيش فى هذا العصر، وانك ــ أكيد ــ لا تعيش فى مصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لسانك حصانك لسانك حصانك



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib