القاهرة تحت الاحتلال

القاهرة تحت الاحتلال

المغرب اليوم -

القاهرة تحت الاحتلال

فهمي هويدي

قاد الشاب دراجة بخارية غير مرخصة، واختار أن يمضى بها عكس اتجاه السير.. وحين اعترض طريقه أحد رجال شرطة القاهرة، فإنه لم يتردد فى اطلاق النار عليه، إلا أن الشرطة لاحقته حتى ألقت القبض عليه وصادرت السلاح الذى معه، أكثر ما أثار انتباهى فى الحادث الذى نشر أمس كان الجرأة التى بلغت حد الاستهتار من جانب الشاب. فهو لم يبال بقيادة دراجة غير مرخصة، ولم يجد غضاضة فى ان ينطلق بها عكس اتجاه السير، ثم انه رفض الامتثال لمحاولة إيقافه، وحاول إخافة الشرطة وترهيبها بإطلاق الرصاص عليها. على ذات الصفحة فى جريدة «التحرير»، حوادث أخرى اتسم فيها سلوك الأشخاص بالجرأة على القانون والنظام العام، فهذا ساكن اختلف مع جار له فى محافظة القليوبية حول لهو الأطفال، فما كان من الأول إلا أن قام بتصنيع قنبلة وألقاها أمام مسكن الثانى لترويعه وتأديبه هكذا بكل بساطة! وفى الشرقية قرأنا أن شابا من أرباب السوابق قطع يد مخبر شرطة حاول التصدى له، وتسبب فى إصابة 5 أشخاص بالعمى بعدما أطلق عليهم الرصاص لأنهم تحدوا سطوته، وبعد إلقاء القبض عليه تبين أنه سبق اتهامه فى 18 قضية وصادر بحقه 5 أوامر ضبط وإحضار من جانب النيابة العامة. وفى الغربية اصطدمت شاحنة نقل مع جرار زراعى مما أدى إلى وفاة سائق الجرار، فما كان من أهالى قريته إلا أن قطعوا الطريق الزراعى المؤدى إلى عاصمة المحافظة. وفى حادث آخر اشترى شخص سيارة من آخر بقيمة 120 ألف جنيه، سدد منها 20 ألفا فقط، وحين حان موعد سداد المبلغ المتبقى أرسل البائع اثنان يمثلانه لقبض المبلغ فما كان من المشترى إلا أن ألقى القبض على الشخصين بمساعدة آخرين واحتجزهما، ولم يفك أسرهما إلا تدخل الشرطة التى داهمت المكان. ذلك نموذج لحصيلة يوم واحد، لا أظن أنه كان استثنائيا، لأن الظاهرة مستمرة ومؤشرات تصاعدها لم تتوقف منذ ثورة 25 يناير 2011، التى خرجت فيها الجماهير إلى الشارع وعبرت عن مخزون غضبها، الذى انصب على النظام ومؤسسة الشرطة التى كانت أداته طوال ثلاثين عاما على الأقل. وإذ سقط رأس النظام وتضعضعت أركانه، فإن الشرطة التى انسحبت من الأماكن العامة، أصبحت تتحسب لغضب الأهالى، خصوصا بعدما تم إحراق عدد كبير من مقارها وعرباتها. منذ ذلك الحين طرأت متغيرات عدة على الشارع المصرى، وعلى علاقة المجتمع بالشرطة، وأهم ما أفرزته تلك المتغيرات أن الشرطة فقدت قدرا لا يستهان به من هيبتها إلى جانب ان حضورها فى الشارع المصرى أصبح متواضعا، وإذا كان ذلك حاصلا فى القاهرة، فلك ان تتصور حال الأقاليم التى لا أشك فى أن الغياب فيها صار مضاعفا. وفى هذه الأجواء تمدد الانتهازيون والعاطلون والبلطجية وفرضوا واقعا جديدا على العاصمة صار من الصعب والمكلف جدا تغييره. وهذا الواقع الجديد فرض نفسه على قلب المدينة وأهم شوارعها التجارية التى تعرضت لاحتلال من جانب جيوش الغزاة الذين لا نعرف من أين جاءوا. لكن الشاهد أنهم جميعا تحولوا إلى قوة على الأرض تحدَّت الشرطة والبلدية ولم تستطع دبابات الجيش أو مدرعاته أو أسلاكه الشائكة ان تزحزحهم عن الأماكن التى استوطنوا فيها. إلى جانب غياب الشرطة عن الشارع والجرأة التى جعلت تلك الجموع تتحدى اللوائح والقوانين، فهناك اعتباران جوهريان أسهما فى تنامى الظاهرة. الأول انه منذ قامت الثورة فإن الأجهزة الأمنية ظلت مشغولة بالمظاهرات والأمن السياسى، ولم تعد تكترث بمظاهر الخلل أو الفوضى الأخرى. وفى الوقت الراهن بوجه أخص فإن انصراف الشرطة عن واجبها فى حماية النظام العام والقانون، وتركيزها على ملاحقة المظاهرات وتوابعها، صار أمرا محسوما وغير قابل للمناقشة. وهو ما سمعته من بعض قياداتهم، حيث قال لى أحدهم انه لا صوت يعلو الآن غير صوت المظاهرات. لذلك فإن الشرطة غير مستعدة للاهتمام بأى شىء خارج تلك الدائرة. الأمر الثانى المهم أن البلطجية والعاطلين الذين احتلوا الشوارع أصبحوا عيونا للأجهزة الأمنية وضمن أدواتها، التى تستخدم فى مواجهة المعارضين. ولذلك كان طبيعيا أن تغض الطرف عنهم إذا ما تمددوا فى الشوارع الرئيسية واستولوا على أجزاء منها. إذا صح ذلك التحليل فمعناه أن المجتمع لن يستشعر الأمن طالما لم يتحقق الاستقرار السياسى فى البلد، لأن الشرطة فى وضعها الراهن تعتبر أن حماية النظام هو مهمتها الأولى. وإلى أن يحدث ذلك فليس أمام المجتمع سوى أن يدبر حاله ويدافع عن نفسه بنفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة تحت الاحتلال القاهرة تحت الاحتلال



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib