الديمقراطية قبل الشرعية

الديمقراطية قبل الشرعية

المغرب اليوم -

الديمقراطية قبل الشرعية

فهمي هويدي

يبدو أننا مختلفون حول تشخيص الأزمة فى مصر، وهل انها تهدد الإسلام أم تهدد الديمقراطية؟، وهى ملاحظة عنَّت لى حين لاحظت أن تظاهرات أنصار الدكتور مرسى تردد هتافات تدعو إلى نصرة الإسلام والذود عن حياضه، بما يعطى الانطباع بأن المعركة لها بعدها الدينى الذى يستثير مشاعر المؤمنين ويستفزهم للدفاع عن عقيدتهم المستهدفة. وذلك تقدير مغلوط وتزيد يراد به التحريض والتعبئة التى تشوه الحقيقة وتدفع بالأزمة إلى مسار بعيد عن الحقيقة، فيصوره صراعا دينيا وليس سياسيا. وذلك تكييف غير صحيح فحسب، وانما من شأنه أيضا ان يصرف الانتباه عن جوهر المشكلة، بما يحصر الصراع فى حدود الجماعة والعقيدة ويصرف الانتباه عن شقه الأكبر والأهم الذى يتعلق بمستقبل الوطن والديمقراطية فيه. فى هذا الصدد فإننى أحب ان أوضح عدة أمور هى: ● أن الإخوان ليسوا هم الإسلام، الذى هو موجود قبل الجماعة وبعدها. وغاية ما يمكن ان يقال بحقهم انهم جماعة من المسلمين، لا يمثل الاشتباك معهم أو خصومتهم اشتباكا أو خصومة مع الإسلام بالضرورة، مع إدراكى لحقيقة ان بين خصومهم أناس يكرهون الإسلام، ولكن ليس كل معارضى الإخوان من هؤلاء، وانما الأغلبية تختلف معهم سياسيا ولا خلاف لهم دينيا أو عقيديا. ● أن الدكتور محمد مرسى أبقى على الدولة المصرية كما هى، ولا يستطيع احد أن يدعى انه أقام دولة الإسلام بالمفهوم التقليدى. وقد قلت فى مناسبة سابقة انه خلال العام الذى امضاه فى السلطة فإنه لم يصدر قرارا ثوريا واحدا ولا اتخذ أى خطوة استهدفت أسلمة الدولة بخلاف ما هو شائع. وكل ما استجد فى عهده امران، أحدهما ان الرئيس ذاته كان ملتحيا وان عددا من الملتحين ظهروا فى مقر الرئاسة وبعض أجهزة الدولة، ثم انه فتح الباب لدخول مختلف الجماعات الإسلامية إلى المعترك السياسى شأنها شأن غيرها من التيارات الأخرى، وهو ما يحسب له لأن تلك الجماعات سواء التى آثرت العمل السرى أو انحازت إلى فكرة استخدام العنف، اطمأنت إلى ان بوسعها المشاركة فى العمل العام من خلال أساليب التغيير السلمى فتخلت عن تقاليدها وانضمت إلى المتنافسين فى الساحة السياسية. ● أن شعار أخونة الدولة كان دعائيا وتعبويا بأكثر مما كان معبرا عن الحقيقة، لذلك قلت فى وقت مبكر إن أخونة الدولة المصرية بقوة جهازها البيروقراطى لم تتم، وانما حدث العكس تماما، حيث تمت دولنة الإخوان، بمعنى ان البيروقراطية ابتلعتهم وجعلتهم جزءا من آلياتها. بالتالى فلم يؤثر وجود الإخوان على جهاز الدولة، وبقيت الأخونة فرقعة سياسية وإعلامية ليس أكثر. ● أكرر ما سبق ان قلته من ان جذور تشويه الصراع الحاصل فى مصر تمتد إلى المرحلة التى جرى فيها تقسيم القوى السياسية إلى مدنية ودينية، الأمر الذى أضفى على الصراع مسحة تتعلق بالهويات وإخراجه من نطاق المنافسة السياسية. وأزعم ان عناصر التيار العلمانى واليسارى هم الذين ابتدعوا تلك القسمة لكى يوجدوا إطارا لاحتشادهم فى مواجهة المنتسبين إلى التيار الإسلامى. ومنذ ذلك الحين (عام 2011) فرضت على الساحة فكرة صراع الهويات الدينية وبدا كأن التيار «المدنى» يقف فى موقف الضد من التيار الإسلامى، فى حين ان ذلك لم يكن صحيحا من جوانب كثيرة، لأن ما هو دينى يلتقى مع ما هو مدنى فى أمور عدة، خصوصا فى التعويل على المؤسسات فى إدارة المجتمع والالتزام بقيم الديمقراطية فى العمل السياسى. والأمر كذلك، فإننى أزعم ان هتافات الدفاع عن الإسلام فى مظاهرات مؤيدى الدكتور محمد مرسى تقحم البعد العقيدى فى الصراع الدائر بغير مبرر. والأخطر من ذلك ان تلك الهتافات تكاد تقصى قطاعات لا يستهان بها من المعارضين المخالفين للإخوان والتحالف الذى يجمعهم مع آخرين، فى حين يقفون إلى جوارهم فى معسكر الدفاع عن الديمقراطية. وإذا صح ذلك التحليل فإنه يستدعى فكرة أخرى تتعلق بتسمية التحالف الوطنى المعارض، الذى يعتبر ان مهمته هى الدفاع عن الشرعية، فى حين ان الدفاع عن الديمقراطية هو الأولى بالاهتمام والتركيز، فضلا عن انه يشكل مظلة واسعة تحتوى كل الغيورين على الديمقراطية والمنادين بها. وأهم من ذلك ان إعلاء فكرة الدفاع عن الديمقراطية يستجيب لأهم الأهداف التى نادت بها ثورة 25 يناير حين رفعت منذ وقت مبكر شعارات المطالبة بالحرية والكرامة الإنسانية. إننى لا أدعو إلى تجاهل ملف أزمة الإخوان، لكننى أحسب ان ملف الديمقراطية أهم وأخطر. وأزعم فى هذا الصدد ان الانتصار فى التعامل مع الملف الثانى يكفل تلقائيا إزالة العقبات التى تعترض حل مشكلة الملف الأول.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية قبل الشرعية الديمقراطية قبل الشرعية



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib