بين العسكرة والاقتتال الأهلى

بين العسكرة والاقتتال الأهلى

المغرب اليوم -

بين العسكرة والاقتتال الأهلى

فهمي هويدي

بعد ثورة 25 يناير، وخلال الفترة التى ظل فيها الدكتور مرسى رئيسا، ظللنا نعتبر أن مصر تواجه تحدِّيين رئيسيين تمثلا فى استتباب الأمن ودوران عجلة الاقتصاد. لكننا بعد الانقلاب الذى عزل الدكتور مرسى اختلفت أولوياتنا، بحيث أصبحنا نواجه تحديين جديدين أكثر إلحاحا هما الحفاظ على المسار الديمقراطى وحقن دماء المصريين من خلال فض الاشتباك الحاصل فى المجتمع من جراء انقسامه المشهود. ما خطر ببالنا حين قامت الثورة فى عام 2011 أن المسار الديمقراطى يمكن أن يكون مهددا، وإنما اعتبر استقرار ذلك المسار واستمراره أمرا مفروغا منه، باعتباره الموضوع الأساسى للثورة. بذات القدر فإنه ما خطر ببالنا أيضا أن ينقسم المصريون إلى معسكرين متناحرين، بعدما كانوا صفا واحدا فى مواجهة استبداد نظام مبارك، إلا أن التطورات الأخيرة فى مصر قلبت المشهد واستدعت عوامل فرضت التحديين الجديدين اللذين أصبحا يحتلان رأس أولويات اللحظة الراهنة. ذلك أن المرء لا يستطيع أن يخفى توجسا من المقدمات التى أشارت إلى عسكرة الدولة المصرية بعد الثورة التى كان للجيش دوره الحاسم فى إنجاحها. وقد لاحت بوادر تلك العسكرة فى مضمون ما سمى بوثيقة السلمى التى أعلنت عام 2011 ونسبت إلى رئيس الوزراء آنذاك الدكتور على السلمى، حين نصت على وضع خاص للقوات المسلحة فى الدستور، واعتبرته من المواد فوق الدستورية التى لا ينبغى أن تمس. إذ نصت مسودة الوثيقة فى مادتها التاسعة على أن الدولة تنشئ القوات المسلحة، إلا أنها اعتبرت المجلس الأعلى للقوات المسلحة كيانا منفصلا عن الدولة، يختص دون غيره بالنظر فيما يتعلق بأوضاعها وبنود ميزانيتها. وله وحده حق الموافقة على أى تشريع خاص بها قبل إصداره. ثم أعطى المجلس المذكور حق مراجعة وإعادة النظر فى النصوص المقترحة للدستور، وإذا لم يعجبه الحال فله أن تشكل جمعية تأسيسية جديدة لوضع دستور يرضى عنه. حتى إذا كان تلك النصوص التى لم يؤخذ بها بمثابة بالونة اختبار، إلا أن المتداول منذ ذلك الحين أنها حظيت فى حينها بترحيب من جانب القادة العسكريين. أما الدستور الجديد الذى صدر فى شهر نوفمبر من العام الماضى فقد خفف من خصوصية وضع العسكر، حيث نص فى المادة 197 مثلا على وجوب أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة. ولم يشترط موافقتها. إلا أن الملاحظ أن قيادة القوات المسلحة حرصت على أن تثبت حضورها فى الساحة السياسية بعد انتخاب الرئيس محمد مرسى، حيث تصرفت فى أكثر من موقف باعتبارها مؤسسة مستقلة تحتفظ بمسافة بينها وبين رئاسة الدولة. وقد تحدث عن ذلك صراحة بيان وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى (فى 3/7)، الذى أشار فيه إلى جهد بذلته القيادة العسكرية لاحتواء الموقف الداخلى وإجراء المصالحة الوطنية بين القوى السياسية (فى نوفمبر 2012). كما تحدث عن أنها تقدمت أكثر من مرة بتقديراتها وتوصياتها بشأن الأوضاع فى الداخل والخارج، ولكن الرئيس لم يأخذ بها. الأمر الذى دفعها فى نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار بعزل الرئيس المنتخب شعبيا، وتجميد الدستور الذى أيدته الأغلبية فى الاستفتاء ووضعته جمعية منتخبة. وتم ذلك بعدما أدركت أن الملايين من أبناء الشعب خرجت مطالبة برحيله. حين حدث ذلك فى أجواء الفراغ السياسى المخيم، وفى غيبة وجود مؤسسات سياسية تمثل المجتمع، وجدنا أن قيادة القوات المسلحة باتت تتصرف بحسبانها مركز القوة والمرجعية السياسية الأولى للحكم فى مصر. وهنا أفرق بين الحكم والإدارة، ذلك أن من بيده أمر الحكم يضع السياسات والإطار العام، والباقون مهما علت مناصبهم يقومون بتنفيذها. أشم أجواء تلك العسكرة فى سلسلة الإجراءات الأمنية التى اتخذت على وجه السرعة بعد الانقلاب، وتمثلت فى اعتقالات ومصادرات لبعض منابر التعبير غير المرضى عنها والتسامح مع أعمال العنف التى طالت أفرادا ومقار. كما ألحظه فى التحيز لطرف دون آخر فى توجيه التهم وتحقيقات النيابة. ولأن أسهم العسكر ارتفعت هذه الأيام فقد شجع ذلك البعض فى الدوائر النافذة على ترشيح أكثر من واحد من ذوى الخلفية العسكرية للانتخابات الرئاسية القادمة. إذا كانت العسكرة تجهض المسار الديمقراطى، فإن الاستقطاب الراهن احتد وتعمق بحيث وصل إلى حد الجهر بالدعوة إلى إلغاء وإقصاء الجماعات التى أيدت الدكتور مرسى وعلى رأسها الإخوان المسلمون. بل ذهب إلى أبعد حين تطور التجاذب إلى اشتباك أوقع حتى الآن نحو 35 قتيلا وأكثر من ألف جريح، الأمر الذى حول الخلاف السياسى إلى احتراب أهلى تقطعت بسببه أواصر وسالت فيه دماء غالية. المشكلة فى هذه الحالة لا تكمن فقط فى الاحتراب، ولكن فى غيبة الطرف الوفاقى القادر على فض الاشتباك ومد جسور الحوار حول القضايا العالقة. ولست أشك فى وجود الأطراف المصرية العاقلة القادرة على التهدئة والتوصل إلى حلول وسط تحقن الدماء وتحقق المصالح. لكن التشنج وانسداد الآذان والاستسلام للانفعال يحول دون إنجاح جهود أولئك العقلاء وإسماع أصواتهم للجميع. إلا أن ذلك لا ينبغى أن يثنيهم عن جهودهم، لأن إطفاء النيران يتطلب أحيانا من الساعين إليه أن يخترقوا اللهب لإنقاذ الضحايا. إننا لا نستطيع أن نتقدم على طريق استتباب الأمن وإنعاش الاقتصاد، ولا نستطيع أن نطمئن على مستقبل الوطن والثورة، فى حين يلوح فى الأفق شبح العسكرة وتسقط كل يوم أعداد جديدة من ضحايا الاقتتال الأهلى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين العسكرة والاقتتال الأهلى بين العسكرة والاقتتال الأهلى



GMT 19:54 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ــ ترمب... لماذا الآن؟

GMT 19:53 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الممانعة اللبنانيّة في وحدتها

GMT 19:51 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّها الترمبية ضد الأوبامية

GMT 19:49 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... العودة المظفّرة

GMT 19:46 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ما جرى في أمستردام

GMT 19:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

من «السندريلا» إلى «الست».. دموع منى زكي في البحرين!

GMT 19:43 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

النفي ليس هو الحل

GMT 19:41 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ما بعد الانتخابات الأمريكية!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:12 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة
المغرب اليوم - أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 19:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
المغرب اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 10:41 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تطلق مبادرة لتمكين صانعات الأفلام في البحرين
المغرب اليوم - منى زكي تطلق مبادرة لتمكين صانعات الأفلام في البحرين

GMT 05:59 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

GMT 08:13 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

أبرز الأبراج التي تعشق التحكّم في الآخرين

GMT 07:09 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

سيارات لندن..!

GMT 00:40 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سخان ماء يتسبب في وفاة سيدة متزوجة في تاوريرت

GMT 18:58 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

إقلاع طائرة تحمل أول صاروخ فضائي في بريطانيا

GMT 00:12 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مطالب أوروبية بتأجيل تقنية "صندوق الرمال" من "غوغل"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib