ما وراء «البراءة للجميع»

ما وراء «البراءة للجميع»

المغرب اليوم -

ما وراء «البراءة للجميع»

فهمي هويدي

بالأمس صدر قرار بإخلاء سبيل مبارك بعد تبرئته من تهمة الكسب غير المشروع. وكان قد صدر لصالحه حكم مماثل فى وقت سابق بعد تبرئته من تهمة قتل المتظاهرين. وقبل أيام قليلة تمت تبرئة أحد الضباط المتهمين بقتل المواطن سيد بلال بالإسكندرية، وتم ذلك بعد تبرئة وإخلاء سبيل الضباط المتهمين بإعدام وثائق جهاز أمن الدولة، وعلى رأسهم رئيس الجهاز ومساعد الوزير الأسبق. كما صدر قرار بإخلاء سبيل الأخوين علاء وجمال مبارك فى قضية إعادة محاكمة الأب ومعاونيه، وتواصل إخلاء سبيل وزراء مبارك واحدا بعد الآخر بعد تبرئتهم. ومن هؤلاء من عاد إلى بيته بعد تبييض صفحته، ومنهم من ينتظر. وإزاء تواتر الأحكام المماثلة فبوسعنا أن نقول إن فكرة مهرجان «البراءة للجميع» لم تعد مزحة، وإنما صارت تشخيصا صحيحا يصف موقف القضاء من رأس النظام السابق وأعوانه وفلوله. أدرى أن القضايا بحد ذاتها مهزلة أقرب إلى الفضيحة، لأنه لا يخطر على بال أحد أن يستبد نظام بحكم الشعب طوال ثلاثين عاما، معتمدا على التزوير والتدليس والقهر والإذلال، ويستغل هو وأعوانه ثروة البلد ويدمرون مؤسساتها وقدراتها الاقتصادية والسياسية، ثم يحاسبون بعد ذلك على تهم تافهة، تشكل نقطة فى بحر الجرائم التى ارتكبوها بحق المجتمع طوال سنوات حكمهم. هذه نقطة لا يستطيع المرء ان يتجاهلها حتى لا يوجه كل اللوم إلى القضاة الذين أحيلت إليهم القضايا بعدما طمست أدلتها. أدرى أيضا ان المشكلة سياسية وليست قانونية، بمعنى أن السياسيين لم يمتلكوا شجاعة محاسبة رأس النظام السابق وأعوانه بما يستحقون على جرائمهم الحقيقية بحق البلد، فأحالوا الأمر إلى القضاء العادى لكى يحاسبهم بقوانينهم فى حين أن وضعهم الخاص كان يستلزم تقديمهم إلى محاكم خاصة. ورغم أن الأمر أوكل إلى القضاء الذى حمل بما لا ينبغى له أن يتحمله، إلا أنه لا يزال بوسعه أن يضع حدا لعملية إخلاء سبيل الأشخاص الذين يشكل خروجهم فى الوقت الراهن خطرا على الأمن العام فى البلد. وذلك رأى المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس محكمة استئناف القاهرة الذى يستند فيه على التعديل الذى أدخل فى عهد مبارك على المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية، ونص على حق القاضى فى ان يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا فى عدة حالات منها «توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة». وهو يرى أن إخلاء سبيل الرئيس الساق وإطلاق سراحه من الأمور التى تنطبق عليها  تلك الفقرة، لأن من شأن إطلاق سراحه الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام. ما يثير الانتباه ليس فقط اتجاه القضاء إلى تبرئة أنصار النظام السابق ورجاله، حتى الذين اتهموا منهم بالتعذيب وقتل المتظاهرين. ولكن إطلاق هؤلاء الرموز تزامن مع الظهور الواضح والمتدرج لرجال النظام السابق فى المجال العام. إذ ليس سرا ان رجال إعلام مبارك لهم حضورهم المشهود فى القنوات والصحف الخاصة، وقد تحولوا جميعا إلى مناضلين غيورين على الثورة، حتى صاروا يشاركون بصفة يومية فى رفع لواء المعارضة وتعبئة الجماهير ضد النظام القائم. وهؤلاء الإعلاميون لا يكتفون بما يقدمونه وإنما يعمدون إلى استضافة اقرانهم من رجال النظام السابق وأعوانه كمتحدثين فى البرامج التليفزيونية أو ككتاب ومعلقين. ومنهم من نظم مهرجانا قبل أيام للحديث عن مستقبل مصر، تم فيه حشد عناصر المعارضة، وذلك فى إطار التسخين والتعيئة قبل حلول 30 يناير. قبل أيام ظهر واحد من رجال مبارك وألقى على الملأ محاضرة عن العدالة الانتقالية، وفى الوقت نفسه استدعى أحد إعلاميى داخلية مبارك الفريق أحمد شفيق الذى قدم لنا من أبوظبى مداخلة أدلى فيا بدلوه فى الأحداث الجارية. وبأذنى سمعت صاحبنا يقول بكل جرأة انسوا حكاية الفلول وأركان النظام السابق، لأن مصر الآن بحاجة لأن تحشد كل القوى لتأكيد التمرد وإسقاط حكم الرئيس مرسى. وجاء كلامه دعوة صريحة لاحتواء الفلول ورجال مبارك وضمهم إلى صفوف الثائرين المتمردين. ما نشهده الآن يعيد إلى الأذهان شبح الكابوس الذى ظننا أننا تخلصنا منه إلى الأبد، ويطرح احتمال إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء، الأمر الذى بات ينعش آمال الذين يطرحون أنفسهم بحسبانهم أبناء مبارك فى ان المستحيل بات ممكنا، وان الظروف باتت مواتية للاقتراب من ذلك الممكن خطوة خطوة. اننى لا أسمى ذلك مؤامرة، ولكنه تدبير خبيث يستثمر العراك الراهن بين عناصر الجماعة الوطنية، لكى يوجه الضربة القاضية إلى الجميع.  نقلاً عن جريدة "الشروق "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء «البراءة للجميع» ما وراء «البراءة للجميع»



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib