هيكلة العنف

هيكلة العنف

المغرب اليوم -

هيكلة العنف

مصر اليوم

  هذه كارثة مضاعفة. ان يتحول العنف إلى ظاهرة فى ساحة التجاذب السياسى، وان يعمد بعض السياسيين والإعلاميين إلى تبريره وإضفاء الشرعية على ممارساته. صحيح اننا شهدنا بعد الثورة اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، وأحيانا اشتباكات بين مؤيدى القوى السياسية المختلفة، لكن الذى نراه هذه الأيام شىء مختلف تماما، ذلك ان العنف اتسع نطاقه بحيث بات يتسم بالقسوة والغل. ولم يعد يستهدف ايذاء الطرف الآخر وايجاعه، ولكنه أصبح يقترن بالتعذيب وبالسحل فى بعض الأحيان، ليس ذلك فحسب وانما صرنا نسمع من بعض أهل السياسة كلاما مدهشا فى تبريره والتأييد الضمنى له. فمن قائل ان العنف يولد العنف وقائل بأن من بدأ يتحمل المسئولية، وقائل بأن المفاصلة باتت ضرورية، «لأن الوطن لم يعد يسعنا معا». الأمر الذى وضعنا بإزاء تسويغ مبطن للاغتيال المادى والجسدى عند طرف، والاغتيال السياسى والمعنوى بالاقصاء عند الطرف الآخر. هذه اللغة جديدة ليس فقط على الخطاب السياسى فى مصر، ولكنها جديدة أيضا على طبائع المصريين وسلوكهم مع المغايرين أو المختلفين. رغم أننا لا نستطيع أن نصف العنف الدائر بأنه ظاهرة مكتملة الأركان، لأن نطاقه لايزال محدودا بصورة نسبية. ان المرأ لا يستطيع أن يخفى دهشته واستغرابه مما يراه، حين يجد أن الثورة اسقطت نظام مبارك بسلميتها واحتشادها الجماهيرى، وبعد نجاحها لجأ بعض المنتسبين إليها إلى العنف لتصفية حساباتهم وخلافاتهم. وفى حين اننا عانينا من عنف السلطة قبل الثورة فإذا بنا نشهد عنفا من جانب المجتمع بعدها. ثم ان ذلك العنف الشرس أصبح يمارس فى ظل الدعوة إلى إقامة دولة مدنية، كما بات يبرر من جانب بعض السياسيين الذين ما برحوا يعظوننا فى ضرورة الحوار باعتبار الوسيلة الأنجح والأكثر تحضرا فى حسم النزاعات...إلخ. اننا لم نعرف حتى الآن على وجه الدقة من يمارس العنف الذى لا يختلف أحد على أنه ليس من طبائع المصريين، وهم من عرفت عنهم الطيبة والتسامح، واللطف أحيانا. لكننا نعرف أن مؤشراته تزايدت مؤخرا فى دائرة التجاذب السياسى، خصوصا بين جماعات المعارضة وبين الإخوان المسلمين. والشائع أن الذين يمارسونه خليط من المحتجين والغاضبين الذين ربما خرج بعضهم إلى الشارع لأسباب معيشية وليست سياسية مباشرة. كما ان منهم بعضا من الفوضويين، إضافة إلى البلطجية والعاطلين وأطفال الشوارع، وهؤلاء يقال لنا إن بعضهم مجندون ومدفوعون من آخرين يتردد أنهم يسعون إلى زعزعة الاستقرار فى البلاد. نعرف كذلك أنه أيا كان الفاعل، فالحاصل ان العنف بمختلف تجلياته أصبح حقيقة ملموسة فى الأفق السياسى، وصار عنوانا شبه ثابت فى الصحف اليومية. لأن هوية المتظاهرين المشتبكين ليست معروفة على وجه الدقة، فإننا لا نستطيع ان نستفيض فى الحديث عن أهدافهم، مشروعة كانت أم غير مشروعة، خصوصا ان ما يهمنا فى اللحظة الراهنة هو الوسائل المستخدمة، والغريبة على الطبع والسلوك المصريين. لقد عرفت مصر إرهاب بعض الجماعات فى ثمانينيات القرن الماضى، لكنه ظل مرفوضا ومستنكرا من المجتمع ثم انه كان محصورا فى دوائر محددة ومعلومة لا تتمتع بأى غطاء سياسى. واستمرت تلك الممارسات لبعض الوقت ثم توقفت وطويت صفحتها بعد ذلك. بل ان مجموعات من الذين مارسوا العنف تراجعت عن أفكارها وغيرت من قناعاتها وانتقلت إلى المشاركة فى الحياة السياسية حين اتيح لها ذلك. أما العنف الراهن فدائرته أوسع ثم إنه يمارس تحت غطاء سياسى وتشجيع إعلامى معلن، ولا يكاد يلقى استنكارا من كثيرين، ناهيك أنه ليس موجها ضد السلطة، ولكنه موجه ضد فصيل آخر فى المجتمع. إن السكوت عن العنف الظاهر أقرب إلى اللعب بالنار، لأن ما هو ظاهرة طارئة الآن قد يتحول بمضى الوقت إلى جزء من ثقافة المجتمع، الأمر الذى يفتح الأبواب أمام احتمالات هيكلته وتوفير غطاء تنظيمى ومؤسسى له، وإذا ما حدث ذلك ــ لا قدر الله ــ فإن السياسيين والإعلاميين الذين يسوغونه ويبررونه يكونون قد ارتكبوا جريمة فى حق الوطن. إذ لكى يحققوا انجازا تكتيكيا فإنهم أسهموا فى تشويه المجتمع وألحقوا به خسارة استراتيجية فادحة. أيا كان الأمر فالقضية تتطلب انتباها وتداركا سريعا من جانب الوطنيين المخلصين الذين يهمهم انتصار الثورة بأكثر مما يهمهم انتصار فريق على آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هيكلة العنف هيكلة العنف



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib