إضاءات مسكوت عليها

إضاءات مسكوت عليها

المغرب اليوم -

إضاءات مسكوت عليها

فهمي هويدي

لأن الأخبار السارة شحيحة فى الوقت الراهن، فإن فوز باحث مصرى بجائزة دولية فى التنمية الذاتية يصبح خبرا يستحق الحفاوة. وإذا كان الفوز بحد ذاته شىء مهم، فإن الأهم منه هو موضوعه الذى يبدو أنه غير مدرج على جدول أعمال المرحلة فى مصر. الباحث هو الدكتور حامد الموصلى الأستاذ المتفرغ بهندسة عين شمس، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية. وقد فاز بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر (أبوظبى دورة 2013). وقيمتها نحو 400 ألف جنيه مصرى، قرر الرجل التبرع بها لصالح الجمعية التى تضم عددا من الخبراء المصريين الذين نذروا أنفسهم لرسالة النهوض بالمجتمعات الريفية. المهمة التى أنجزتها الجمعية، والتى كانت سببا فى حصول الدكتور الموصلى على الجائزة، تتلخص فى أنها نجحت فى تنفيذ مشروع لنشر الصناعات الصغيرة القائمة على خامات النخيل، وقد تم اختيار قرية القايات، التى تعد واحدة من أفقر عشر قرى بمحافظة المنيا، لتكون المختبر الذى أقيمت فيه التجربة، التى تم تمويلها بمنحة قدمتها مؤسسة «مصر الخير». نجح الدكتور حامد الموصلى والفريق العامل معه فى تصميم وتصنيع معدات متبكرة بواسطتها تم تحويل جريد النخيل إلى سدائب منتظمة القطع، وكذلك ألواح منتظمة السمك والعرض، الأمر الذى مكنهم من تصنيع ألواح «باركيه» وألواح «كونتر» تفى بمتطلبات المواصفات القياسية العالمية وتضاهى مثيلاتها المصنعة من الأخشاب المستوردة. ليس ذلك فحسب وإنما نجح خبراء المشروع فى استخدام مفروم الجريد فى صناعة المصبعات كوقود حيوى قابل للتصدير، وهذه المصبعات يمكن استخدامها للتدفئة فى المنازل بدلا من الفحم الحجرى، كما يمكن استخدامها فى تشغيل محطات القوى الكهربائية بدلا من الفحم والمازوت. وهذا المنتج يمكن فى حالة تصديره أن يحقق عائدا مجزيا بملايين الدولارات. من مفروم الجريد نجحت تجارب صناعة أعلاف الدواجن، ومن خوص النخيل نجحت تجارب تصنيع «الكارينة» التى تستخدم فى التنجيد، الأمر الذى يفتح آفاقا واسعة للنهوض بالريف المصرى اعتمادا على موارده المحلية. وإذا علمنا أن فى مصر نحو 12 مليون نخلة (تركز فى الصعيد والواحات وشمال سيناء) فلك أن تتصور العائد الذى يمكن أن يتحقق من استثمار هذه الثروة وتوظيفها فى تنمية المجتمعات المحلية وانعاشها. هذا الجهد يمثل سباحة ضد التيار السائد، الذى اعتادت رموزه أن تمد أبصارها إلى الشاطئ الآخر وتتلهف على الاستيراد من الخارج، دون النظر تحت الأقدام ومحاولة التفكير فى الإفادة من الخامات والخبرات المحلية. ومن الواضح أن مدرسة استدعاء الخارج لاتزال تمثل مركز قوة مؤثر وغلاب فى مصر. وحرص الحكومة على حل الأزمة الاقتصادية من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية شهادة تدل على أن السلطة تضرب المثل فى المضى فى ذلك الاتجاه. وليس غريبا والأمر كذلك أن تواجه جهود الدكتور الموصلى ورفاقه الذين تصدوا للدعوة إلى الانطلاق من التنمية الذاتية صعوبات جمة، من جانب الشرائح صاحبة المصلحة فى الاستيراد من الخارج، فضلا عن الحرب الشرسة التى فرضت عليهم من جانب البيروقراطية المتربصة بأى انجاز، التى شرعت أكثر من مرة فى تعويق المشروع وتشويهه وصولا إلى هدمه. ما حققته جمعية التنمية الذاتية نموذج له نظائره المضيئة فى الواقع المصرى، التى تلمع فى أفق لا تكترث به سائل الإعلام، وللأسف فإن الذين يقدمون تلك النماذج لا يلقون حقهم فى التقدير من جانب الدولة أيضا (لاحظ أن تقدير جهود الدكتور الموصلى جاءت من خارج مصر)، ومازلت غير مصدق ما قيل من أن الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى بالمنصورة لم يمنح جائزة الدولة التقديرية بسبب موقفه السياسى، رغم النموذج الباهر الذى قدمه هو وزملاؤه فى إقامة مركز طبى عالمى يعالج المواطنين بالمجان ويعتمد فى تمويله على مساندة المجتمع بالدرجة الأولى. وهناك مؤسسات طبية وتعليمية مماثلة، ومشروعات للتنمية الذاتية أقامها نفر من الوطنيين المخلصين الذين اختار بعضهم أن يظلوا جنودا مجهولين، ولكنهم جميعا يستحقون منا الحفاوة والتشجيع. إلا أننا لم نستطع أن نوفيهم حقهم، بسبب البيروقراطية التى لا تسمع ولا ترى، ولأن أغلب سائل الإعلام عندنا دأبت على أن تحتفى بالذين يشعلون الحرائق بأكثر من حفاوتها بالذين يحيون الآمال نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إضاءات مسكوت عليها إضاءات مسكوت عليها



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib