ورقة الجيش

ورقة الجيش

المغرب اليوم -

ورقة الجيش

فهمي هويدي

لا أستطيع أن أطمئن إلى براءة الرسائل التى توجه إلى الجيش المصرى هذه الأيام. تلك التى تحاول أن تغازله أو تحتمى به أو تستفزه أو تستدرجه بأى ذريعة أخرى لكى يعود إلى الساحة السياسية من أى باب، ذلك أن أحدا لا يختلف على أن أحد الإنجازات المبكرة والمهمة التى حققها الرئيس مرسى أنه ألغى المجلس العسكرى الذى بدا أنه استمرأ السلطة. فأعاد الرئيس الجيش إلى ثكناته لكى يؤدى دوره الوطنى فى مكانه الطبيعى وساحته الأصلية. ولايزال يحضرنى تعليق مسكون بالدهشة والإعجاب، سمعته فى أنقرة آنذاك خلاصته أن ما حققته الحكومة التركية فى هذا الصدد بعد عشر سنوات (استبعاد العسكر من دائرة القرار السياسى) أنجزه الرئيس مرسى خلال أسابيع قليلة. لقد حمـّل البعض التصريحات الأخيرة التى أدلى بها الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع بأكثر مما تحتمل، فحين قال فى 29/1 إن استمرار الصراع الراهن بين القوى السياسية يهدد بانهيار الدولة المصرية، اعتبر البعض أن كلامه بمثابة إعلان عن إثبات الحضور وتعبير عن القلق جراء ابتعاد الجيش عن الساحة السياسية، وذكرت صحيفة الحياة اللندنية ان الجيش أراد بذلك أن يكن له موطئ قدم فى حلبة السياسة، فى حين قالت نيويورك تايمز إن كلامه يثير احتمال عودة الجيش إلى السياسة. وقبل ظهور كلام الفريق السيسى دأبت بعض الأبواق الإعلامية على الإشارة إلى أن ثمة استياء فى أوساط الجيش جراء المساس ببعض قياداته. وقرأنا آنذاك عنوانا رئيسيا وتحذيريا أطلقته إحدى الصحف استخدم العبارة التالية: الجيش إذا غضب، وفسرت الدعوة التى ألغيت بعدما وجهها وزير الدفاع إلى ممثلى القوى السياسية للالتقاء حول مائدة غداء بأنها من إشارات التواصل ومد الجسور مع الحالة السياسية. وقرأنا بعد ذلك لمن دعا إلى تولى وزير الدفاع إدارة الحوار بين الرئاسة والمعارضة، ثم طالعنا مبادرة للحوار مع الرئيس دعت إلى مشاركة وزيرى الدفاع والداخلية، وعاد أحدهم أخيرا لكى يحث الفريق السيسى على التدخل فى اللعبة، ويذكره بأنه مدين لأهل السياسة بدعوة غداء لم تتم وعليه أن يفى بها...الخ. الملاحظة بل المفارقة الأساسية فى كل ذلك ان رموز المعارضة الذين يوجهون خطابات الاستدعاء المتلاحقة للجيش يقدمون أنفسهم بأنهم أنصار الدولة «المدنية». الأمر الذى يعنى أن خصومتهم للإخوان جعلتهم على استعداد للاستقواء بأى طرف لمواجهتهم وإنزال الهزيمة بهم، وهو ما يدعونا للقول بأن إخواننا هؤلاء إذا كانوا قد قبلوا الاصطفاف إلى جانب بعض رموز النظام السابق الذى هو الخصم الأساسى للثورة، فليس مستغربا ان يتخلوا عن مدنية الدولة. ويلجأوا إلى الجيش لذات الغرض. افتح هنا قوسا واستأذن فى نقل رواية سمعتها من أحد النشطاء البارزين قبل أيام. بعد الإعلان عن التوافق بين حزب النور السلفى وبين بعض قيادات جبهة الإنقاذ. إذ قال لى إنه شارك فى حوارات مطولة لإقناع السلفيين بأن الليبراليين والعلمانيين ليسوا ملحدين أو كفارا، ولم يصدق أذنيه حين فوجئ بأن الطرفين أصبحا «يدا واحدة» الآن فى بعض المواقف. لا أعرف كيف استقبل الجيش تلك الدعوات والرسائل. ولا أنكر أن تصريحات بعض المنتسبين إليه تفتح الأبواب للحيرة والالتباس. فلم يكن موفقا قائد الجيش الثانى بالسويس مثلا حين صرح لإحدى الصحف بأن الجيش يقف على مسافة واحدة من الجميع. لأننى أفهم أن المؤسسة العسكرية ليست محايدة بين المتصارعين فى الساحة السياسية حتى الذين يشيعون الفوضى ويستخدمون العنف منهم. وان المكان الطبيعى لها هو أن تقف مع الشرعية التى ارتضاها الشعب. كما كان مستغربا ان يقول ضابط سابق له صلته الوثيقة بالأجهزة السيادية فى أحد البرامج التليفزيونية ان مجموعة الكتلة السوداء (بلاك بلوك) التى ظهرت مؤخرا وشاركت فى التخريب لا تمثل خطرا على البلد، فيما يعد قبولا ضمنيا بالدور الذى قامت به. صحيح أن اللغط لم يتوقف فى بعض الدوائر حول موقع وميزات المؤسسة العسكرية، وهناك مطالبات لا تخلو من وجاهة دعت إلى تخلى الجيش عن بعض الأنشطة الاقتصادية التى لا تليق بمكانته أو رسالته. لكن ذلك لا يخل بالإجمال الوطنى على ضرورة الحفاظ على قوة الجيش ورفع كفاءته والنأى به عن التورط فى آلاعيب السياسة وتقلباتها، إلا أن بيننا من يتجاهل كل ذلك ويسعى جاهدا إلى تحويل الجيش إلى «ورقة» يستقوى بها ويضغط، لترجيح كفة طرف فى اللعبة السياسية فى مواجهة طرف آخر، وهو شىء محزن حقا أن يقف بعض دعاة الدولة المدنية وراء هذه المحاولات معرضين بذلك عن استخدام آليات الممارسة الديمقراطية، الأمر الذى يثير لدينا سؤالا كبيرا يشكك فى أهليتهم لأن يكونوا بين خيارات المستقبل وبدائله التى يمكن المراهنة عليها. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ورقة الجيش ورقة الجيش



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib