البلطجة ليست حلاً

البلطجة ليست حلاً

المغرب اليوم -

البلطجة ليست حلاً

مصر اليوم

  لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالاستياء والاستهجان حين يجد الجماهير الغاضبة قد احتشدت أمام مقر المحكمة الدستورية العليا فى يوم انعقاد جلستها التى كان مقررا أن تنظر فيها دعويين على الأقل إحداهما لحل مجلس الشورى والثانية لحل الجمعية التأسيسية للدستور. وأيا كان رأينا فى الموضوع، وسواء كان الهدف من التظاهر هو الاحتجاج أو الترهيب أو الحصار، فإن توجيه الرسالة بهذا الأسلوب يظل عملا غير لائق أقرب إلى البلطجة السياسية التى ينبغى أن نستنكرها. كان ذلك أول انطباع لى حين تابعت المشهد الذى لم أتوقعه صباح أمس، خصوصا اننى أحد الذين يعتبرون ان المحكمة الدستورية العليا ينبغى أن تحاط بسياج من الإجلال والاحترام، حتى اننى كنت اعتبر ان المرء حين يمر أمام مبناها المطل على النيل يجب أن يتمهل ويتحلى بقدر من الوقار والاحتشام. ولذلك فقد اعتبرت التظاهر أمامها والاستخفاف بها نوعا من التطاول والاجتراء، لا ينبغى أن يستنكر فحسب، ولكنه ينبغى أن يخضع للتحليل أيضا، من خلال الإجابة على السؤال: لماذا فعلها المتظاهرون، وما الذى أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟ حين قلَّبت الأمر وجدت ان التظاهر أمام المحكمة الدستورية ليس منفصلا عن المناخ السائد فى مصر هذه الأيام، بل انه من تداعيات ممارسات أخرى اتسمت بدورها بالتطاول والاجتراء. ذلك أن المعارضين لم يكتفوا بالاحتشاد فى ميدان التحرير وبعض الأماكن الأخرى، ولكن هتافاتهم والكلمات التى ألقيت من فوق منصاتهم اتسمت بقدر غير قليل من التطاول والاجتراء. واستحى ان أنقل هنا بعض ما رمى به رئيس الجمهورية فى هذا السياق، كما ان البرامج الحوارية والتعليقات الصحفية التى عبرت عن الموقف المعارض مارست ذات القدر من الاجتراء والتطاول، حتى ان أحدهم استضاف فى برنامجه التليفزيونى متحدثة أرادت اقناعنا بأن رئيس الجمهورية مريض نفسيا، وانه لا يصلح لأداء وظيفته، وكانت إحدى الصحف الموالية للفريق أحمد شفيق الذى نافسه على الرئاسة قد اطلقت تلك الدعوة فى وقت سابق. لم يخل خطاب المعارضين من تجريح وإهانة وبذاءات لوثت الأجواء العامة. وللأسف ان ذلك الهبوط فى لغة الخطاب وجدنا صداه أيضا فيما عبر عنه بعض القضاة، الذين تخلوا عن الوقار وعفة اللسان، وأطلقوا تصريحات وتعليقات أسهمت ليس فقط فى تكريس الهبوط بمستوى الكلام، وإنما أساءت إلى القضاة أنفسهم وشوهت صورتهم. وحين انزلقت أقدام القضاة فى حلبة الصراع الذى كان ينبغى أن ينأوا بأنفسهم عنها، فإنهم فعلوا ما فعله عمال المترو الذين ارتهنوا أكثر من مليون راكب لكى يحققوا مطالبهم. فلجأ القضاة بدورهم إلى ارتهان جموع المتقاضين وإصابة المرفق بالشلل، فى تحديهم لرئيس الجمهورية ومطالبته بإلغاء الإعلان الدستورى. ذلك كله لم يكن بعيدا عن مفهوم «البلطجة» التى مارستها المعارضة ووصمت أداء بعض المشاركين فيها بعدم اللياقة وسوء الأداء. وللأسف فإن قدم الكنيسة الأرثوذكسية زلَّت فى الساحة، حين أعلن أحد المتحدثين باسمها أنها شاركت بقوة فى ميدان التحرير، فتصرفت باعتبارها فصيلا سياسيا طائفيا، إصابه رذاذ ما قيل على المنصة رغم أنه لم يكن طرفا فيه. لقد وجدنا ان المؤيدين ردوا على المليونية بأخرى مماثلة وربما أكبر. كما ردوا على الدعوة التى أطلقها نفر من المعارضين بالزحف إلى مبنى الاتحادية ــ مقر الرئاسة ــ بزحف مماثل نحو مقر المحكمة الدستورية. وقابلوا فكرة الاعتصام حتى يسحب الرئيس إعلانه باعتصام آخر حتى يحل الرئيس المحكمة الدستورية. أما البذاءات التى أطلقت فى ميدان التحرير، فقد ردوا عليها بهتافات ونداءات جرحت بعض رموز المعارضين ونددت بهم. الخلاصة أن السلوك غير اللائق تورط فيه الطرفان، كما ان أوراق الضغط والترهيب استخدمها المعارضون والمؤيدون، الأمر الذى يعنى انهما مارسا إلى مدى بعيد لعبة المليونيات التى أخشى أن يؤدى استمرارها والتصعيد فيها إلى ما لا تحمد عقباه. الأمر الذى يدعونى إلى طرح السؤال التالى: لماذا لا نجرب لعبة الديمقراطية، فنحاول أن نجرب سكة السلامة، بعدما انهكنا أنفسنا فى السير على سكة الندامة؟ ــ والسؤال إذا وافقنا على طرحه يستدعى سؤالا آخر هو: ما هو المدى الذى يستطيع أن يصل إليه الرئيس فى الاقتراب إذا ما أراد أن يلتقى مع المعارضة، وما هى النقطة التى يستطيع أركان المعارضة أن يصلوا إليها إذا ما أرادوا التفاهم مع الرئيس؟ ــ لا استطيع أن أجيب عن السؤال لكننى أقول إن ذلك التلاقى ينبغى له أن يتم، لأن العناد والإصرار على انتهاج سكة الندامة يكلفنا ثمنا لا يستطيع البلد أن يتحمله.   نقلاً عن جريدة "الشروق"  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البلطجة ليست حلاً البلطجة ليست حلاً



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib